النوع، مثلاً: ان القلم الذي رسم تشخّص وجه زيد، لابد بالضرورة ان يكون كل افراد البشر منظوراً له دفعةً، لمخالفة تعينه لكل فرد، والاّ لوقع التوافق بالتصادف! وخالقُ النوع بهذا السرّ هو خالق الاجناس.. فتفتح هذه الحقيقة ايضاً منفذاً نظاراً، تشهد الكائنات فيه: الله لا إله إلاّ هُو..
(17) وان (ما يتوهم بقصور النظر من الاستبعاد والاستغراب والحيرة والكلفة) المنجرة الى الاستنكار في اسناد كل شئ الى الواجب الوجود الواحد الاحد. فتلك الاستبعاد والاستغراب والحيرة والكلفة والمعالجات تنقلب حقيقية عند عدم الاسناد الى صاحب مرتبة الوجوب والوحدة(1)، بل تتضاعف تلك الامور عند اسناد الآثار الى جانب الامكان والكثرة والاسباب وانفسِها، عددَ اجزاء الكائنات.. فما يتوهم في اسناد الكل الى الواجب يتحقق في اسناد جزء واحد الى غيره تعالى. بل الاولُ اسهل وايسر؛ اذ صدور الكثير عن الواحد اقل كلفة من صدور الواحد عن الكثير المتشاكسين العُمي الذين اجتماعهم يُزيدهم عمىً؛ اذ النحلة لو لم تخرج من يد قدرة الواجب، لزم اشتراك ما في الارض والسموات في وجودها!.. بل تترقى الكلفة والمعالجة في الجزء الواحد من الذرة بالنسبة الى الوجوب الى امثال الجبال، ومن الشعرة الى امثال الحبال، لو احيل على الاسباب.. اذ الواحد بالفعل الواحد يحصّل وضعية ومصلحة للكثير، لايصل الى عين تلك الوضعية والنتيجة الكثيرُ، الاّ بفعل كثير؛ كالامير بالنسبة الى نفراته، والفوّارة الى قطراتها، والمركز الى نقاط دائرته. فبفعل واحدٍ تصل هذه الثلاثة الى تحصيل وضعيةٍ للكثير(2)، ونتيجةٍ لاتصل النفرات والقطرات والنقاط لو احيلت عليها الاّ بافعال كثيرة وتكلفات عظيمة. بل الاستغراب والاستبعاد الموهومان في طرف الوجوب، ينقلبان هنا الى محالات متسلسلة.
---------------------
(1) تفصيله في (حباب) ص 184 - 188.
(2) سيرد شرح هذا المثال في ذيل الحباب ص 208.