ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | حباب | 162
(157-192)

جانب. فقس درجة مَن يسري دائماً ولايتم دَورَ خردلةٍ(1)، ومع ان الخردلة الحافظة تصير كصحراء عظيمة على عقل الانسان، كذلك يصير ذلك العقل كبحر يبتلع الدنيا.. فسبحان مَن جعل الخردلة لعقل الانسان كالدنيا، وجعل الدنيا له كخردلة!.
اعلم! ان من اشد ظلم البشر اعطاء ثمرات مساعي الجماعة لشخصٍ، وتوهم صدورها منه، فيتولد من هذا الظلم شركٌ خفيٌ؛ اذ توهّم صدور محصّل كسب الجماعة، وأثَر جُزئهم الاختياري من شخصٍ، لايمكن الاّ بتصور ذلك الشخص ذا قدرة خارقة ترقت الى درجة الايجاد، وما آلهة اليونانيين والوثنيين، الاّ تولدت من امثال هذه التصورات الظالمة الشيطانية..
اعلم! ان الانسان كدوائر متداخلة متحدة المركز. ففي دائرةٍ: لباسه جسمهُ، وفي اخرى: بلدهُ، وفي اخرى: وجه الارض، وفي اخرى: عالم الشهادة وهكذا.. ولكنه لافعلَ ولاتأثير له إلاّ في الدائرة الصغرى، وفيما سواها من الدوائر عاجزٌ مسكين، منفعلٌ وقابل لأخذ الفيض فقط. لو تَفَعَّل(2) مافعل الا تغييرَ صورة الفيض بالقصور والنقصان اللذين هما من الوان العدم..
اعلم! ان في الذاكر لطائف مختلفة في الاستفاضة؛ بعضُها يتوقف على شعور العقل والقلب، واستفادة بعضٍ لاشعوري تحصل من حيث لايُشعر. فالذكر مع الغفلة ايضاً لايخلو من الافاضة..
اعلم! ان الله خلق الانسان في تركيب عجيب، ووحدةٍ في كثرة؛ بسيطٌ وهو مركب، فردٌ وهو جماعة، له اعضاء وحواس ولطائف، لكلٍ في ذاته المٌ ولذة مع تألمه وتلذذه من انفعالات الكل وتأثرات اخواته؛ بدليل سرعة التعاون والامداد بينها. فمن حكمة هذه الخلقة

-----------------------

(1) اي لا يتم دوراناً حجم خردلة!
(2) اي: لو اظهر الفعل مع عجزه..

لايوجد صوت