آن يسيل، وليس من المكان الا مقدار القبر!.. ولك من العجز ما لايُحدّ، ومن الاحتياج مالايتناهي، ومن الفقر ما لايُحصى، ومن الآمال ما لاغاية لها، وهكذا.. فمن كان بهذه الحالة من العجز، وفي هذه الدرجة من الحاجة، هل يتوكل على ما في يده ويعتمد على نفسه.. او يتوكل على الله الرحمن الرحيم الذي من ظروف خزائن رحمته وصناديق نعمته: هذه الشموس وهؤلاء الاشجار المملوءة من الانوار والاثمار، ومن موازيب حوض فيضه ومسيلات رحمته: الماء والضياء.
اعلم! يامن يستعظم النتيجة ويستضعف دليلها! انه ما من دليل يشهد على حقيقةٍ من الحقائق الايمانية، الاّ ويزكيّه ويؤيّده ويقوّيه ويمدّه كلُّ ما قام على صدق شئ ما من الاسلامية. فكأن كلَّ مالايعد من الشواهد والشهداء والبراهين والامارات، كل منها يضعُ امضاءه على سند كلٍ من اخواتها، فيختم كلٌّ منها خاتمَ تصديقه على منشور كلِّ واحدٍ بسرّ مامرّ - في بداية هذه الرسالة - خلافاً للنافي؛ اذ للمنافاةِ بين النافي والمثبتِ يُنفى منَ النَّافي مايُثبِتُ للمُثبتِ. فالفُ نافٍ كفردٍ..
اعلم! انه قد تصير شدة محبة الشئ سبباً لانكاره، وكذا شدة الخوف، وكذا غاية العظمة، وكذا عدم احاطة العقل..
اعلم! اني قد تيقنتُ كأني شاهدتُ بحدس قطعي: ان جهنم مندمجةٌ بالقوة(1) في بذر الكفر كاندماج شجرة الحنظلة في نواتها.. وان الجنة مندمجة في حبة الايمان كاندراج شجرة النخلة في نواتها. فكما لاغرابة في استحالة النواة وانقلابها الى شجرة الحنظلة أو شجرة النخلة، كذلك لا استبعاد في تحول معنى الضلالة متجسماً جهنماً(2)
-----------------------
(1) المقصود بالقوة : بالاستعداد والقابلية الكامنة في الشئ. اما بالفعل فيعني: بالمشاهدة والماثل امام العين.
(2) لا تنصرف جهنم الاّ إن نكرّت فتنصرف.