ويصدقها منظومات مكتوباتُ كتاب الكائنات وموزونات آياتها، لاسيّما آيات النظام والميزان والانتظام والتصوير والتزيين والامتياز.
أما قبل الكون، فالدليلُ جميع المبادي والبذور وجميع المقادير والصور، اذ ما البذور: الا صُنيدقات لطيفة اودعت فيها فهرستة ما رسمَه القَدر، فتبني القدرةُ وتستخدم الذرات على هندسته. وما المقادير الا مكتوبات قدرية منظومة، وقوالب علمية موزونة؛ اذ الذرات الصم العمي الجامدة تتحرك في نمو الاشياء ثم تتوقف عند حدود معوجة، توقف سميع بصير بمظانّ الفوائد والثمرات. وهكذا فقس كثرة براهين الكتابة قبل الكون.
واما الدليل على الكتابة بعد الكون؛ فمن العالم جميع الثمرات التي هي كمطويات صحائف اعمال الاشجار والازهار، تَنشرُ على رأس الأشهاد ما جرى على رؤوس اصولها، اذا دُفنت في الارض وحُشرت في الربيع. ومن الانسان قوته الحافظة التي هي في محل كالخردلة في الصغر، وما هي الاّ كسَنَدٍ استنسخته يَدُ القدرة بقلم القدر من صحيفة الاعمال، واعطَتْه ليد الانسان ليتذكّر به وقت المحاسبة، وليطمئن ان خلفَ هذا الهرج والمرج والفناء والزوال: مرايا للبقاء رَسَم فيها القدير هويات الزائلات، والواحٌ يكتب فيها الحفيظ العليم معاني الفانيات..
اعلم ! انه كما ان الساعة غير ثابتة بل متزلزلة مضطربة الآلات، كذلك الدنيا التي هي ساعة كبرى ايضاً متزلزلة. فبادراج الزمان فيها صار (الليل والنهار) كميلين يعدّان ثوانيها، و(السنة) ابرةً تعد دقائقها، و (العصر) كإبرة تعد ساعاتها. وبادراج المكان فيها صار (الجو) بسرعة تغيره وتحوله وتزلزله كميل الثواني. و(الارض) بتبدل وجهها نباتاً وحيواناً، موتاً وحياةً كميل الدقائق. وبتزلزل بطنها وتولد (جبالها) كميل الساعات. و(السماء) بتغيراتها بحركات اجرامها وظهور ذوي الأذْناب والكسوفات والشهابات كالميل الذي يعد الايام.