فالدنيا المبنية على هذه الاركان السبعة - مع انها واصفة لشؤونات الاسماء ولكتابة قلم القدرة والقدر - فانية هالكة متزلزلة راحلة كالماء السيال في الحقيقة. لكن تجمّدت صورةً بالغفلة، وتكدّرت بالطبيعة فصارت حجاباً عن الآخرة.
فالفلسفة السقيمة والمدنية السفيهة تزيدان جمودَتها وكُدورَتَها بالتدقيقات الفلسفية والمباحث الطبيعية. واما القرآن فينفش الدنيا كالعهن المنفوش بآياته، ويشفّفها ببيّناته، ويذيبها بنيّراته، ويمزق ابديتها الموهومة بنعيّاته، ويفرّق الغفلة المولدة للطبيعة برعداته. فحقيقة الدنيا المتزلزلة تقرأ بلسان حالها المذكورة آية: ﴿واذا قُرىءَ الْقُرآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرحَمون﴾(الاعراف:204).
اعلم ! ان مميز الانسان عن الحيوان شمول علاقته بالماضي والمستقبل، وكلية ادراكه بالانفس والآفاق.. وكشفه لترتب العلل الظاهرية في انشاء الاشياء الظاهرية. فاعظم وظيفته واقدمها(1)، واتم جهازاته والزمها؛ التسبيحُ والتحميد بالجهاز المخلوق لهما، فيسبح الانسان صانعه بلسان الماضي والحال والمستقبل، وبألسنة الانفس والآفاق(2).. وبسر مشاهدته لتسبيحات المخلوقات وشهادته عليها يثني على صانع الاشياء بقراءة اسمائه المكتوبة بالترتيب والترتب في حكمة صنع الاشياء.
فسبحان الله يتضمن معنى الحيرة والتقدير، ومعنى التعجب والاستحسان، ومعنى التنزيه والتقديس، ومعنى الهَيبة مع المحبة، ومعنى المجهولية للعظمة...
---------------------
(1) اي: اولى الوظائف واهمها (ت: 188).
(2) اي ان الانسان يحمد ربه ويسبّحه بما أنعم عليه في الماضي والحال وما سينعم عليه من نعم في المستقبل، وبما يجده منها في نفسه او في الافاق (ت: 188).