والرابعة: ما اشارت اليها آية: ﴿كُلُّ شَيْء هَالِكٌ الاَّ وَجْهَهُ﴾(القصص:88).
وايضاحه: ان الانسان بحسب جبلّته محب لنفسه، بل لا يحب بالذات - في الاول - الا ذاته، فيمدح نفسه مدحاً لا يليق الا بالمعبود، ويدافع عن نفسه بشدة وينزّهها عن المعايب ولا يقبل القصور لها ما امكنه، حتى كأنه يصرف الجهاز المخلوق فيه لحمد معبوده وتسبيحه الى نفسه، كمن اتخذ إلهه هواه. فلابد من تزكيتها هنا بعدم تزكيتها.
والثانية: نسيان النفس في مقام الكُلفة والخدمة، وشدة إلتزامها في مقام اخذ الاُجرة والحظوظات. فتزكيتها عكس هذه الحالة اي: عدم النسيان في عين النسيان.
والمرتبة الثالثة: لا يرى من نفسه الاّ القصور والنقص والعجز والفقر، ويرى كل المحاسن نِعَماً من جانب فاطره تقتضي الحمد لا الفخر، فتزكيتُها في هذه المرتبة؛ علمها بان كمالَها في عدم كمالِها، وقدرتَها في عجزها، وغناها في فقرها..
والخطوة الرابعة: دركُ انه في نفسه وبالمعنى الاسمى فان مفقودٌ حادثٌ معدومٌ، وبالمعنى الحرفي - والمرآتية لاسماء صانعه - شاهدٌ مشهودٌ وواجدٌ موجودٌ. فتزكيتُها هنا: معرفةُ ان عدَمَها في وجودها، ووجودها في عدمها، ووِردُها:له الملك وله الحمد.
وكذا ان مشرب اهل وحدة الوجود يذهب الى اعدام الكائنات بنفي وجودها. ومشرب اهل وحدة الشهود يذهب الى حبس الموجودات في سجن النسيان المطلق.
واما ما افهم من منهاج القرآن فهو: عفوها عن الاعدام والحبس، بل استخدامها في وظائف اعلان الاسماء الحسنى بالمظهرية والمرآتية: بالمعنى الحرفي وبحسابه تعالى، وعزلها عن الخدمة بالمعنى الاسمي وبحساب نفسها..