ثم ان الانسان في وجوده دوائر متداخلة ومصنوعات متراكبة؛ اذ هو نبات، وحيوان، وانسان، ومؤمن.. فالمعاملة للتزكية قد تقع اولاً في الطبقة الرابعة الايمانية. ثم تتنازل الى النباتية التي هي شديدة المقاومة، وقد تقع المعاملة في الكل في اليوم والليلة. ومما غَلَط فيه الانسان عدم الفرق بين تلك المراتب فيقول: خلق لنا ما في الارض جميعا، فاولاً يغلط بظن انحصار الانسانية في معدته النباتية او الحيوانية. ثم يغلط بانحصار غايات الاشياء في ما يؤول الى نفسه. ثم يغلط بتقدير قيمة الاشياء بمقياس مقدار منفعته منها، فلا يشتري نجم الزهرة بزهرةٍ مشمومة..
اعلم!(1) ان العبودية نتيجة النعمة السابقة وثمنها، لا مقدمة المكافآت اللاحقة ووسيلتها.
ايها الانسان! اخذت اجرتك؛ اذ صنعك هكذا في احسن تقويم. ثم تَعرَّفَ اليك باعطاء الايمان.
نعم، كما انه باعطاء المعدة أنعمَ عليك بجميع المطعومات.. كذلك باعطاء الحياة صيَّر لك عالمَ الشهادة سفرةً مملؤةً من النعم. فانظر الى تفاوت السفرتين. وكما انه باعطاء النفس الانساني جعل لهذه المعدة عوالم الملك والملكوت مائدةً مشحونة بالنعم.. كذلك باعطاء الايمان فرش لك مع الموائد المزبورة موائد مدخرات كنوز اسمائه.. وباعطاء محبته فتح لك ومنحك ما لا يوصف، فاذا اخذتَ مثل هذه الأجرة، فعليك بالخدمة. فاذا اعطاك بعد العمل نعمة اخرى فما هي الاّ من محض الفضل..
اعلم! ان ما يشاهد من الجود بلا حساب في تكثير افراد الأنواع، لا سيما في صغار المخلوقات مع كمال الاتقان وحسن الانتظام، يشير
---------------------
(1) تفصيله في الثمرة الثانية من الغصن الخامس للكلمة الرابعة والعشرين.