ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 344
(332-392)

التمثيلات، والتمازج في العنوانات، والتشابه في الظهورات، والتساند في التعرفات، والتعاضد في الربوبيات، وتجلي الاحدية في احاطة الواحدية، لزم البتة لمن عرفه سبحانه في واحد مما مرّ، ان لا يستنكره في سائر ذلك، بل يفهم بالبداهة انه هو هو.
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الانْسَانَ في احْسَنِ تَقْويمٍ﴾(التين:4)
اعلم! ان من عجائب جامعية فطرة الانسان، ان ادرج الفاطرُ الحكيمُ في هذا الجرم الصغير موازين لا تعد، لوزن مالا يُحدّ من مدخرات رحمته. وادمج فيه آلاتٍ لا تُحصى جهازاتُها المعنوية لفهمِ مالا يتناهي من مكنونات كنوز اسمائه الحسنى.
انظر الى حواسك العشرة كيف احاطت بالوان عوالم المسموعات، والمبصرات، والمذوقات وغيرها.. وكذا اعطاه جزئيات صفات واحوال من الارادة والعلم والسمع وغيرها لفهم صفاته المحيطة وشؤونه الواسعة.. وكذا لفّ على انانيته لفائف بعدد العوالم وألوانها، ليعرف حالها بتلك اللطائف.. وكذا ألبس على قامة ماهيته اقمصة بعدد حجب الربوبية ليترقى فيها بقطعها.. وكذا اودع فيه لطيفة مدركة، بصورة عجيبة، بحيث تصير الحافظة التي هي في صغر الخردلة كعالَمٍِ واسع، تسير تلك اللطيفة في تلك الخردلة دائما، ولا تصل الى ساحلها. ومع ذلك قد يضيق على تلك اللطيفة هذا العالم الكبير. فتحيط هي بهذا العالم، وتحيط بها وبجميع ميادين جولانها ومكاتيب مطالعتها هذه الخردلة. فسبحان من صغّرها بلا غاية في عين كبرها بلا نهاية.
ومن هذا السر تتفطن لتفاوت مراتب الانسان؛ فمن الانسان من يغرق في ذرة، ومن الانسان من تغرق فيه الدنيا؛ ثم ان الانسان قد يفتح بمفتاحٍ من مفاتيحه الموهوبة عالماً واسعاً من ابسط ما انتشرت اليه الكثرة، فيضل فيها فلا يصل الى الوحدة والتوحيد الاّ بعسر عظيم. فللانسان في معناه وسيره الروحي طبقات ؛ ففي طبقة يتيسر

لايوجد صوت