ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 346
(332-392)

اعلم! انه كما ان من زرع بذرا في مزرعة، وعمتها حبات البذر ولو منمنمة(3)، تكون المزرعة محمية له، ومصونة من تصرف الغير بالزرع مرة اخرى، حتى كأن البذر سور معنوي.. كذلك كل نوع من انواع النباتات والحيوانات المزروعة المبثوثة في مزرعة الارض والمنثورة المنشورة في اكثر وجهها، سور يمنع الشركة، وحارسٌ يطرد الغير، وحامٍ يردّ الاوهام. فكيف بتساند المجموع، وتعاضد الجميع بتلاحق الشواهد وتعانق الافراد؟!
اعلم! انه كما ان من يحب ان يشاهد في رياض جنته وحديقته المنتظمة، صورة القفار الغير المنتظمة، ومثال احجارها الموحشة، وتماثيل اعوجاجاتها المشوشة؛ لإظهار لطافة تنظيماته، وقد يصنع فيما بين منظومات بستانه صخور الكهف بتنحيتاتٍ مشوشة، فكمالُ انتظامها هنا، في عدم انتظامها. لكن يتفطن المدقق ان تنظيم هذا بعدم الانتظام ؛ انما هو بقصد ناظم حكيم ـ ؟
كذلك ان مايُشاهد فيما بين المخلوقات المنظومة والمصنوعات الموزونة، من القفار المختلفة الاشكال المشوشة، ومن الجبال والآكام المتفاوتة الاحجار البعيدة عن النظام؛ بدرجة تتوهم النظرة الحمقاء الظاهرية ان لعبَت بها يدُ التصادف، ما هي الا منتظمةٌ بعدم التنظيم، ومشوشيته السطحية بقصدِ صانعٍ حكيم وفاطر عليم، بشهادة احاطة المنظومات والموزونات بها وفرشها عليها، كنظم الدرر المنظومة على نحور الجواهر المنثورة لاظهار شعشعة الصنعة المنتظمة، وكاراءة شدة الظلمة لتلك النيرات. فانظر الى الاشجار ذوات الاشواك، والى النباتات المجهزة برماح اشواكها لدفع آكل النباتات، حتى ترى انتظاماً عجيباً في عدم انتظامها، ولطافةً ظريفةً في خشونتها الموحشة. ومن امارات كون عدم الانتظام كالانتظام بقصد صانع حكيم؛ عدم توافق شكل بعضٍ لبعضٍ بدرجة كأن كل فرد من

-----------------

(3) صغيرة الحبوب.

لايوجد صوت