ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 349
(332-392)

الاحياء ازيد من ثلاثمائة الف حشر ونشر وقيامات، باحياء انواع النباتات والحيوانات، وكتابتها على صحيفة الارض في نهاية الاختلاط والاشتباك، مع غاية التمييز بلا خبط ولا غلط. مع انّ حشر واحد من تلك القيامات المشهودة ليس بأهون من حشر طائفة الانسان، اذ يزيد عدد طائفة واحدة من طوائف الذباب الذي يوجد في عمر سنة على عدد الانسان في عمر الدنيا. وكذا يقولان: ﴿الله خالِقُ كُلّ شَئٍ وهُوَ عَلى كُلِّ شَئٍ وكيل  له مَقَاليدُ السَّموات والارْض﴾ (الزمر:62-63) و ﴿خلَقَكُم وَما تَعْملُونَ﴾ (الصافات:96) ﴿وأعدّ للكافرينَ عذاباً اليماً﴾(الاحزاب:8) ويقولان: ﴿ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّة شراً يَرَهُ﴾(الزلزلة:8)..
وهكذا من عظائم المسائل المبرهنة المهمة، فليس نظرهما في الكائنات كنظر الفنون الفلسفية والعقول الانسانية، بل مَثَلهما كمثل من يعرّفك صنعةً لتعريف صانعه، والمصنوعُ في قبضته يقلّبه، ويريك باطنه وصحائفه وتلافيفه وغايات جهازاته عند صانعه، ويعلّمك كتاباً بمعانيه واشاراته.. ومثلُ الانسان وفلسفته كمثل من يعرّفك مصنوعاً بعيداً من يدكما(1) ومن فهمكما - وانما يصل نظركما الى سطحه ولا ينفذ الى باطنه - فيلقمك مسائل سطحية كوساوس شطحية لا تسمن ولا تغني، وكمثل اجنبي أعجمي لا يعرف من العربية كلمةً، لكن له معرفة بمناسبات النقوش والصور، فشرع يعلمك كتاب الفصوص المذهب ببيان مناسبات نقوش الحروف، وكيفية صورها ووضعية بعض الى بعضٍ. وهكذا، من سفاسف واهيةٍ صورية.
فاذا كان هذا هكذا؛ فلا تجعل مقاييس العلوم الانسانية محكاً لحقائقهما(2)، ولا تزنهما بميزانها؛ اذ لا توزن الجبال الراسيات، بميزان الجواهر النادرات، ولا تطلب تزكيتهما بها بجعل دساتيرها

--------------------------

(1) اي: بعيداً عن يد الانسان وفلسفته.
(2) اي: القرآن والمنزّل عليه القرآن y. وتفصيل هذه المسائل في الكلمة الثانية عشرة.

لايوجد صوت