رأسك، وتأكلين ثمرات الجنة الباقية قبل بدُوّ صلاحها في هذا البستان الكاذب.
اعلمى! ايتها النفس العاشقة لنفسها، المستندة على ظهور وجودها! انك اكتفيت بقطرة سراب(3) عن بحر ماء الحياة، وبلمعةٍ ضعيفةٍ في ليلةٍ مدلهمة عن الشمس في رابعة النهار. أما ظهور وجودك بالنسبة الى ظهور وجود فاطرك ؛ فكنسبة عدد نفسك الواحدة، الى ضرب جميع الموجودات في ذراتها. اذ نفسك تدل على وجود نفسك بوجه واحد، وبمقدار جرمك.. وتدل على وجود موجِدها بوجوه لاتعد، مع دلالة كل من الموجودات على ظهور وجود موجِدك بوجوهٍ لا تعد ايضاً افراداً وتركيباً، فلابد ان يكون ظهور وجوده عندك اظهر من وجودك بدرجة اعظمية العالم على صغرك.
واما حبك لنفسك، لانها مخزن لذتك ومركز وجودك ومعدن نفعك واقرب اليك. فقد التبس عليك ظل الظليل الزائل، باصل الاصيل الكامل. فان تحب نفسَك لِلذةٍ زائلة؛ فلابد ان تحب من يفيدك لذائذ باقية بلا نهاية، ويفيض على جميع من تلتذ بسعاداتهم لذائذ تسعدهم.
وان كانت نفسُك مركز وجودك؛ فربُّك موجِدكَ، وقيومُ وجودك مع وجودات كل من لك علاقة بوجودهم.
وان كانت نفسك معدن نفعك؛ فرازقُك هو الذي بيده الخير كله، وهو النافع الباقي، وعنده نفعُك ونفعُ كل من لك نفعٌ في نفعهم.
وان كانت نفسك اقربَ اليك؛ ففاطرها أقرب منها اليها، اذ تصل يده منها الى ما لا تصل يدُها ولا شعورُها ولا حبُها الى ذلك الشئ الذي هو في بحبوحة نفسها، فلابد ان تجتمع جميع المحبات المنقسمة على جميع الموجودات مع محبتك لنفسك فتهديها الى جناب المحبوب الحقيقي.
----------------------------
(3) المقصود الحياة الدنيا كما سيأتي.