ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 355
(332-392)

اعلم!(1) ايها السعيد العاجز الخائف! ان الخوف والمحبة اذا توجها الى الخلق، صار الخوف بليةً اليمةً.. وصارت المحبة مصيبةً منغصةً ؛ اذ تخاف من لا يرحمك او لا يسمع استرحامك. وتحب من لا يعرفك. او يحقّرك لمحبتك، او لا يرافقك، بل يفارقك على رغمك.. فاصرفهما من الدنيا وما فيها الى فاطرك الكريم وخالقك الرحيم ، ليصير خوفُك تذلّلاً لذيذا بالالتجاء الى صدر الرحمة كتلذذ الطفل بالتخوّف الذي يجبره الى الانضمام الى صدر امه الشفيقة، وتصير محبتك سعادةً ابديةً لا تزول ولا تُذلّ، لا إثم ولا ألم..
اعلم! ايها الانسان انك ثمرة او نواة لشجرة الخلقة ، فبجسمانيتك انت جزء صغير ضعيف، عاجز ذليل ، مقيّد محدود. لكن الصانع الحكيم رقاك بلطيف صُنعه من الجزء الجزئي، الى الكل الكلي.
فبادراج الحياة في جسمك اطلقك من قيد الجزئية في الجملة، بجولان جواسيس حواسك المنبسطة على عالم الشهادة لجلب اغذيتهم المعنوية.. ثم باعطاء الانسانية جعلك كالكل بالقوة (كالنواة ).. ثم باحسان الاسلامية والايمان، جعلك كالكلي بالقوة .. ثم بانعام معرفته ومحبته صّيرك كالنور المحيط، فاختر ما شئت.. فان اخلدتَ الى الارض واللذائذ الجسمانية؛ صرت جزءاً جزئياً، عاجزاً، ذليلاً. وان استعملت جهازات حياتك بحساب الانسانية الكبرى التي هي الاسلامية؛ صرت كالكل الكلي والسراج المركزي …
اعلم! يامَن يحب الموجودات الدنيوية التي لا تصل اليها الا بمقدار جرمك، ومساعدة قيدك. فتتألم بسائر الفراقات الاليمة، جزاءً لصرفك المحبة في غيرمحلها.. ان احببتَ الواحدَ الاحدَ، وتوجهتَ بحسابه وباسمه وباذنه وبنظره وبحوله، تنزهت بالجميع معاً في آنٍ بلا فراق ولا ألم. كمثل من ينتسب لسلطان له مع كل جزء من مملكته

----------------------

(1) الغصن الخامس من الكلمة الرابعة والعشرين يفصل هذه الخاطرة.

لايوجد صوت