ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 358
(332-392)

اعلم! ان من حكمة تفنن الصانع الجميل الحكيم في تصوير الافراد صغيراً وكبيراً كما في الحيوان لاسيما فيما يطير بجناحَيه، وفي السمك وفي المَلَك وفي العوالم في الجملة، من الذرات الى الشموس، بجعل الصغير مثالاً مصغراً للكبير.. لطف الارشاد، وتسهيل التفكّر، وتيسير قراءة مكتوبات القدرة، واظهار كمال القدرة، وابراز نوعي الصنعة الجمالية والجلالية، اذ من اسباب المجهولية الدقة والخفاء، فيزيلهما بوضوح حروف الكبير. وكذا من اسباب المجهولية، الوسعة والعظمة، فلا يحيط بها النظر ولا يضبطها الفهم فيزيلهما بتقارب حروف الصغير. واما النفس الأمارة المتتلمذة عند الشيطان فتظن صغر الجسم سبب صغر الصنعة، فتجوِّز صدورها من اسباب صمٍ عُميٍ، وتدّعى في الكبير المنبسط عدم الكتابة بالحكمة، ووجود العبثية والتصادف..


اعلم!(1) انه ان قيل: ان الجود المطلق والرزق بلا حساب يلائمان العبثية، وينافيان الحكمة من جهة ؟ يقال له:
نعم؛ ان انحصرت الغاية في الواحدة مع ان لكل شئ لا سيما حىّ، غايات متعددة وثمرات متنوعة ووظائف مختلفة. الا ترى ان للسانك وظائف بعدد شعر رأسك؟ فالجود باعتبارٍ غاية بلا حساب وباعتبار وظيفةٍ لا ينافي الحكمة والعدالة في وجوده الناظر الى مجموع الغايات والوظائف، كالعسكر المستخدم في تعقيب ذى جناية او في حماية قافلة مثلا. ففي العسكر كثرة وجود بلا حساب بالنسبة الى امثال هذه الخدمات الجزئية مع القلة والمساواة لما يلزم لحفظ الثغور والحدود وسائر الغايات..
--------------------

(1) هذه المسألة الدقيقة (حكمة تعدد الغايات) توضحها حاشية الحقيقة السادسة من (رسالة الحشر).

لايوجد صوت