ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 357
(332-392)

والايمان؟ وكيف لا تشتاق الى السلام عليه بالصلاة والسلام؟ وكيف لا تحتاج الى الاستخبار منه ما يطلبه سيدُنا الحنّان ومالكنا المنّان جل جلاله؟
اعلم! اننا نرى الصانع الحكيم بكمال حكمته، وعدم العبثية في صنعه وعدم التضييع، يُنسج من الاشياء الحقيرة الصغيرة القصيرة الاعمار، منسوجاتٍ جسيمةً غالية عالية دائمة، لاسيما في نسج النباتات.. وكذا بسر عدم العبثية مطلقا، وعدم الاسراف، يوظّف الفرد الواحد من الآلات والجهازات بوظائف كثيرة متنوعة، لاسيما في رأس الانسان. فلو انفرد لكل وظيفة من الوظائف المكلفة بها ما في رأسك مقدار خردلة، للزم ان يكون رأسك كجبل الطور(1) في الكبر ليسع اصحاب الوظائف. الا ترى اللسان - مع سائر وظائفه العظيمة - مفتش(2) لمدخرات خزينة الرحمان، ولجميع المطعومات المطبوخة في مطبخ القدرة، فله وظائف بعدد تنوع اذواق المطعومات، وقس . أفلا تشير هذه الفعالية الحكيمة الى ان ذلك الصانع يجوز- بل يجب - ان ينسج من الاشياء السيالة السريعة في سيل الزمان، ومن الايام الميتة والأعوام الماضية والاعصار الخالية نسائج غيبية، ومنسوجات اخروية بمكوك الليل والنهار والشمس والقمر في اختلاف الملوين(3)، وتحوّل الفصول؟ كما نسج في الانسان الذي هو فهرستة العالم ما يؤيد هذا، اذ يُبقي دقائق حياته الماضية الفانية بين منسوجات حافظته ومكتوباتها، فيكون الفناء والموت في هذه الشهادة الضيقة، انتقالا باقيا وبقاء صافيا في دوائر عوالم الغيب. وقد نسمع من منابع الوحي (ان دقائق عمر الانسان تعود اليه) ؛ فاما مظلمة بالغفلات والسيئآت، وإما مضيئة بمصابيح الحسنات المعلقة في حلقات الدقائق...

---------------------

(1) اي: لواقتضى كل وظيفة من الوظائف التي كلف بها الانسان شيئاً مادياً في رأسه بمقدار خردلة للزم ان يكون حجم الرأس كجبل الطور (ت: 197).
(2) بمعنى ناظر او مشرف.
(3) اي: الليل والنهار. الواحد: ملاً.

لايوجد صوت