ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 354
(332-392)

فما بالك تناسيتَ وتعاميتَ عنها -كطير الابل - اي (النعامة) يخفي رأسه في الرمل، ويغمض عينه لئلا يراه الصياد.. الى كم تهتم بالقطرات الزائلة، ولا تبالي بالبحور الدهاشة!!.
اعلم! اني احمد الله على ان فتح لي اعاظم مسائل هذه الكائنات بمسألة من النحو، هي الفرق بين (المعنى الحرفي والاسمى) !.. اي هذه الموجودات كلماتٌ دالات على معانٍ في غيرها، اي مكتوباتٌ ربانية تاليات للاسماء الحسنى، لا اسمية حتى تدل على معنى في نفسها لذاتها.
فما تفرَّع من الوجه الاول؛ علم وايمان وحكمة. ومن الوجه الثاني؛ جهلٌ مركب، وكفران مرجَّب(1)، وفلسفة مذهّبة.
وكذا اشكره على ان فتح لي مسألةً جسيمةً من اعاظم مسائل الربوبية بمسألة من المنطق، وهي الفرق بين الكلي ذي الجزئي، والكل ذي الجزء، فتجلي الجمال والاحدية كالاول.. وتجلي الجلال والواحدية كالثاني.. وتجلي الكمال والكبرياء جمع الجمع.. اي جمال في عين الجلال كالكلي في عين الكل، والجزئي في عين الجزء..
اعلم! ان الدنيا فهرستة الآخرة، فيها اشارات الى مسائلها المهمة، منها الذوق في الرزق الجسماني. فالذي ادرج في وجودك حواس وحسيات، وجوارح وجهازات، واعضاء وآلات لإحساس جميع انواع نعمه الجسمانية، ولاذاقة اقسام جلوات اسمائه المتجلية على الجسمانيات، في هذه الدار الزائلة الذليلة التي ليست لذيذةً ولا للذةٍ..
يشير بهذا الصُنع الحكيم، الى ان صاحب الاحساس والاذاقة(2)، اعدّ لضيوف عباده ضيافةً جسمانيةً ايضا لائقة بالابدية في قصورٍ ﴿تَجري مِنْ تَحْتِها الانْهَارُ خَالِدينَ فيها ابَدَاً﴾(المائدة:119)..
-----------------------

(1) المرجب : الذي جعل له رُجْبة وهي دعامة من الاحجار تدعم بها النخلة (مجمع الامثال 1 / 32).
(2) اي الذي وهب هذا الاحساس والتذوق.

لايوجد صوت