ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 351
(332-392)

فلفنائها لا توازي ذرة باقية، وقس عليها بعض ما ورد في ثواب بعض الاذكار مما لايجري في مقاييس العقل..
اعلم! ان مما يدل على ان دستور الحياة هو التعاون دون الجدال؛ كما توهمته الفلاسفة الضالة المضلة، عدم مقاومة التراب الصلب ولا الحجر الصلد، لسيران لطائف رقائق عروق النباتات اللينة اللطيفة، بل يشق الحجر قلبه القاسي بتماس حرير اصابع بنات النبات، ويفتح التراب صدره المصمت لسريان رائد النباتات.
نعم، تجاوب اعضاء الكائنات بشمسها وقمرها لمنفعة الحيوانات، وتسارع النباتات لامداد ارزاق الحيوانات، وتسابق مواد الاغذية لترزيق الثمرات، وتزين الثمرات لجلب انظار المرتزقات، وتعاون الذرات في الامداد لغذاء حجيرات البدن؛ دليل قاطع ساطع على ان الدستور العام هو التعاون وما الجدال الا دستور جزئي بين قسم من الحيوانات الظالمة...
اعلم! ان من اظهر براهين التوحيد، السهولة المطلقة المشهودة. مع ان في الشركة يستلزم كلُّ شئ، لاسيما حي، كلَّ ما يلزم للكل. ففي كل فرد من الكلفة كلفة ما في الكون، لاستلزام الفرد في الانفراد، كل كلفة الكل، كميةً.
اعلمى! ايتها النفس الامارة! انك متهمة في احسن مطالبك. اذ قد تشتاقين الى امور الاخرة، لكن بالمعنى الحرفي، أي لئلا تتنغص الدنيا عليكِ بفنائها، فشوق الآخرة للتسلي من الم الفناء. فاُفّاً وتُفاً(1) لهمتك الدنية، كيف تُصيّرُ السلطان الدائمي خادماً لحقير دنىٍ زائل؟ وتعمل خاناً لسكن بعض الحيوانات في ليلة بعَمَد مرصعة بالجواهر تأخذها من تحت قصرٍ سلطاني مستمرٍ(2).. فتخربين القصر على

-------------------

(1) الأف: وسخ الاذن والتف وسخ الاظفار، ثم استعمل ذلك عند كل شيء يضجر منه . قاله الاصمعي.
(2) اي: كيف تهونين من شأن الآخرة، فتجعلينها في خدمة الدنيا.. فانك تبنين عمارة موقتة لنزول بعض الدواب - الشهوات - بما تسرقينه من اعمدة مذهّبة لقصرسلطان في الآخرة!

لايوجد صوت