اعلم! انه يمكن ان يُتَصَوَّر الانسانُ خلف أثره وصنعته الجزئية، ولا يمكن في مصنوع الصانع الازلي الا من خلف سبعين الف حجاب خلف ذلك المصنوع الجزئي. ولو امكن لك ان تنظر الى مجموع مصنوعاته دفعةً؛ لارتفعت الحجب الظلمانية، وبقيت الحجب النورانية. فالطريق الاقرب في نفسك، لا في الآفاق الاّ بالعشق السديد.
اعلم!(2) ان اغلب من له نسلٌ من الحيوانات والنباتات ينوى كلُّ فرد - من الاغلب - الاستيلاء على وجه الارض، ويريد التسلط عليها ليتخذها مسجداً خالصاً لنفسه يَعبُد باظهار اسماء فاطره، في كل جزءٍ منها عبادةٌ غير متناهية لخالقها الذي لا نهاية للياقته للعبادة. فان شئت انظر الى البطيخ ونواتاته، والشجر والنواتات في ثمراته، والسمك وبييضاته، والطير وبيضاته، الاّ ان ضيق عالم الشهادة واحاطة علم عالم الغيب والشهادة بما كان، وبما يكون، وبما لم يكن لوكان كيف يكون.. اقتضيا قبول عباداتها بالقوة(3)، ونياتها المندمجة في بذورها.
اعلم! ان ذكر القرآن لبعض الغايات الراجعة الى الانسان انما هو للاخطار(1) لا للانحصار. اي لتوجيه نظره الى الدقة في فوائد نظام ذلك الشئ ذي الغاية، وفي انتظامه الدال على اسماء صانعه؛ اذ الانسان انما يهتم بما له علاقة ما به، فيرجّح ذرة ما اليه على شمس ليست اليه.. مثلا: ﴿وَالْقَمَر قَدَّرْناهُ مَنَازِلَ﴾(يس:39) ﴿لِتَعْلَموا عَدَدَ السنّينَ وَالْحِسابَ﴾(يونس:5) هذه غايةٌ من الوف غايات تقدير القمر، وليس
-----------------------
(2) تفصيل هذه المسألة في الثمرة الثانية من الغصن الخامس للكلمة الرابعة والعشرين.
(3) حتى ولو لم تخرج بعدُ الى طور الفعل.
(1) للتنبيه.