اعلم! ان في اكثار ذكر القرآن لمآل ﴿الَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ (الانعام:60) ﴿وَالَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (البقرة:28)، ﴿وَالَيْهِ الْمَصيرُ ﴾ (المائدة:18) ﴿واليه مَآب﴾ (الرعد:36) بشارة عظيمة، وتسلية جسيمة - وان تضمنت للعاصي تهديداً - اذ تقول هذه الآيات للناس: ان الموت والزوال والفناء والفراق من الدنيا ليست ابواباً للعدم والسقوط في ظلمات الفناء والانعدام، بل هي ابوابٌ للقدوم والذهاب الى حضور سلطان الازل والابد. فهذه الاشارة تُنجي القلب من دهشة ألمِ تصوُّر تَمزُّقِهِ مع جميع محبوباته بين ايدي عدمات هائلة غير متناهية، والتفرق بين انياب فراقات مدهشة. فانظر الى دهشة جهنّم المعنوية المندمجة في الكفر!.. اذ بسر (انا عند ظنّ عبدي بي) ظنَّ الكافرُ هكذا.. فصَوَّرَ فاطرُه ظنَّه عذاباً ابدياً عليه.. ثم انظر الى درجة تفوق لذة اليقين بلقاء الله، حتى على الجنة. ثم بعده مرتبة الرضاء، ثم بعده درجة الرؤية، حتى ان جهنم الجسمانية للمؤمن العارف العاصي كالجنة بالنسبة الى جهنم المعنوية للكافر الجاهل بخالقه. ولو لم يكن من البراهين الغير المحصورة للبقاء ووسائله، الا (تضرعات حبيب المحبوب الازلي) وقد اصطف خلفه في تلك الصلاة الكبرى صفوف الانبياء وصفوف الاولياء مؤمّنين على دعواته ومناجاته، لكَفَتْ وسيلةً وبرهاناً. أيمكن ان يوجد في هذا الحسن الابدع الاجمل، والجمال الابرع الاكمل هذا القبحُ الاعجب والنقصُ الاغرب؟.. اي بان لا يسمع من يَسمع اخفى هواجس الحاجات لاخفى المخلوقات بدليل قضائها في اوقاتها اللائقة، وان لا يقبل ارفع الاصوات الصاعدة من الفرش الى العرش، واحلى المناجاة، واعظم الدعوات، في اشد الحاجات..؟ كلا ثم كلا هوالسميع البصير.
نعم، هذه المعاملة من اوسع مراتب شفاعته عليه الصلاة والسلام وكونه رحمة للعالمين.