ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 381
(332-392)

اعلم! انه كثيراً ما اصادف الغافلين وهم يتحججون بمسألة القدر، ويتعمقون في مسألة الجزء الاختياري، وخلق الافعال.. مع انهم بلسان غفلتهم ينكرون القدر رأساً ويعطون الازمّة ليد التصادف، يتوهمون انفسهم فاعلين على الاطلاق، ويقسمون مال الله وصنعه على ابناء جنسهم وعلى الاسباب. فالنفس الكافرة او الغافلة في وقت الغفلة تسلب الكل باطناً وان اثبتت ظاهراً. والمؤمنة العارفة تثبت الكلَّ له ايماناً واذعاناً؛ فهاتان المسألتان في الكلام، غايتان لحدود التوكّل والايمان، ولمراقي التوحيد والاسلام، لاهل الصحو والحضور من العارفين، وبرزخ حاجز(1). فاين انتم ايها الغافلون المتفرعنون في انانيتكم؟ واين التحقق بهاتين المسألتين ! فان ترقيت في المحوية والعبودية الى درجة نفي الجزء الاختياري، والى مقام احالة كل شئٍ على القَدرَ، فلا بأس عليك، اذ فيك نوعٌ من السكر؛ اذ هما حينئذٍ من المسائل الايمانية الحالية، لا العلمية التصورية..
اعلم!(2) ان التواضع قد ينافي تحديث النعمة. وقد ينجرُّ تحديثُ النعمة الى الكِبر والغرور، فلا بد من الدقة والامعان وترك الافراط والتفريط.
وللاستقامة ميزان وهو: ان لكل نعمة وجهين:
وجهٌ الى المُنعَم عليه فيزيّنه ويميّزه ويتلذذ به، فيفتخر، فيقع في السُكر فينسى المالك، فيتملك، فيظن الكمال بملكه الذاتي، فيتكبر بما لا حقّ له فيه.
ووجهٌ ينظر الى المنعِم فيظهر كرمه، ويُعلن رحمته، وينادي على انعامه، ويشهد على اسمائه. وهكذا مما يتلو من آيات جلواته في انعامه. فالتواضع انما يكون تواضعاً اذا نظر الى الوجه الاول، والا

--------------------

(1) وبرزخ حاجز لأهل الغفلة.
(2) المسألة السابعة من المكتوب الثامن والعشرين توضح هذا البحث.

لايوجد صوت