ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 384
(332-392)

يعرف الا نسج مصيدته، ومد ما يطير به ليمر عليه.. وكمثل الساعة تعرفك عدد ما انقضى من عمرك اليومي، وهي لاتعرف الاّ زوال ألم تضييق امعائها(2). وكمثل النحل صنع ما صنع بحلاوة الوحي المندمج في لذته الخاصة.. وكمثل الوالدات النباتية والحيوانية والانسانية انما تعمل للذة الشفقة، ولا تخل جهالاتها بالغايات بحصول تلك الغايات التي زينت بيت الكائنات. بل كأن تلك الشفقة نواة ومسطر لتلك الغايات.
ويكفي المسبحين العابدين علمهم بكيفية عملهم فقط. كما قال عز وجل ﴿كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه﴾ (النور:41). ولا يلزمهم علمُهم بكون عَمَلهم تسبيحا مخصوصا هكذا، وشعورهم بصفة العبادة المعينة. ويكفيهم شعور سائر اخوانهم المتفكرين بما في اعمالهم من لطائف العبادات وغرائب التسبيحات. بل يكفي علم المعبود المطلق فقط. واذ لا ابتلاء بالتكليف لا تلزمهم (النية) فلا يلزم شعورهم بوصف عملهم. على ان تلك المصنوعات في الاصل كلمات تسبيحاتٍ افادت معانيها ثم صارت تلك الكلمات مسبحاتٍ بالسنتها كذواتها. وفي تلك الكلمات مسبحات اخرى. وفي هذه ايضا مسبحات صغار، وفيها ايضاً مسبحات اصاغر وهكذا، الى ما شاء السبوح القدّوس جلّ جلاله ولا اله الا هو..
اعلم! ان ما ارسل اليك وزيّنك من الرأس الى القدم من اشتات النعم والمحاسن واللطائف، انما تمر (بميزان) من خلال حجب متباينة. وتتسلل (بنظام) من بين لفائف متخالفة. وتتوجه اليك (بالانتظام) من خلف طوائف متضادة.
اعلم! ان في النفس امراً لطيفاً كدرهم من ورق رقيق. اظن انه مرصاد الابد. اذ ما يمسه شئ الا ويعطيه حكم الابد ويموّهه بوهم

---------------

(2) المقصود حركة النابض وانفتاحه التدريجي.

لايوجد صوت