ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 387
(332-392)

في بيان جوهرة من كنوز آية:
﴿ومَاخَلَقْت الْجِنَ والانْسَ الاَّ لِيَعْبُدونِ﴾(الذاريات:56)
اعلم!(1) يا ايها السعيد الناسي لنفسك، ولوظيفة حياتك!. الغافِل عن حكمة خلقة الانسان، الجاهلِ بما أوضع الصانعُ الحكيمُ في هذهِ المصنوعات المزيَّنة!.. ان مَثَل بناء هذا العالم وادخال العالم الانساني فيه، كمثل سلطان له خزائن فيها اصناف الجواهر، وله كنوز مخفية، وله مهارة في صنع الغرائب، وله معرفة بعجائب فنون لا تعد وبغرائب علوم لا تحد. فاراد ذلك الملك. ان يظهر على رؤس الاشهاد حشمةَ سلطنتِهِ وشعشعة ثروته وخوارقَ صنعتِه وغرائبَ معرفته، اي ان يشهد كماله وجماله وجلاله المعنوية بالوجهين؛ بنظره، ونظر غيره.
فبنى قصراً جسيماً ذا منازل وسرادقات. فزينها بمرصعات جواهر كنوزه، ونقشها بمزينات لطائف صنعته، ونظمها بدقائق فنون حكمته، ووسمها بمعجزات آثار علومه، وفرش فيها سفرة لذيذات نعمه ونعمته. وهكذا مما يظهر بمثله الكمالات الخفية. فدعى رعيته للسير والتنزه، واضافهم بضيافة لا مثل لها، كأن كل لقمة منها انموذج مئات صنعة لطيفة. ثم عين استاذاً لتعريف ما في ذلك القصر من رموز تلك النقوش واشارات تلك الصّنائع، ووجوه دلالات تلك المرصعات المنظومات والجواهر الموزونات على كمالات صاحبها، ولتعليم الناس آداب الدخول والمعاملات مع صانع القصر، فيقول لهم:
ايها الناس ! ان مليكي يتعرف اليكم باظهار ما في هذا، فاعرفوه.. ويتودد اليكم بهذه التزيينات فتوددوا اليه بالاستحسانات.. ويتحبب اليكم بهذه الاحسانات فاحبوه.. ويرحم اليكم فاشكروه.. ويتظاهر اليكم فاشتاقوا اليه. وهكذا مما يليق بمثله ان يقول للداخلين. فدخل الناس

----------------

(1) الدرس العاشر من (المدخل الى النور) وهو خلاصة الكلمة الحادية عشرة ونواتها.

لايوجد صوت