ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثالثة | 385
(332-392)

الابدية. واذا استعمله الهوى والهوس، صار آلة تجلب احجار الآخرة واساساتها الى الدنيا، فيبنى قصرها عليها، فيأكل اثمار الآخرة بلا نضج في الدنيا الفانية.
اعلم! ان النفس شئ عجيب !.. وكنز آلات لا تعد وموازين لاتحد لدرك جلوات كنوز الاسماء الحسنى إن تزكت.. وكهف حيّات وعقارب وحشرات إن دسَّت وطغت. فالأولى - والله اعلم - بقاؤها لا فناؤها؛ فالبقاء مع التزكية - كما سلكت عليه الصحابة - اوفق بسر الحكمة من موتها الاتم كما سلك عليه معظم الاولياء.
نعم، ان في جرثوم النفس جوعاً شديداً، واحتياجاً عظيماً، وذوقاً عجيباً. واذا تحول مجرى سجاياها، انقلب حرصُها المذموم اشتياقاً لا يشبع، وصار غرورُها المشؤوم وسيلة النجاة عن جميع انواع الشرك. وتحول حبُها الشديد لنفسها وذاتها؛ حبا ذاتيا لربها وهكذا.. حتى تنقلب سيئاتُها حسناتٍ.
اعلم! انه كما ان قيمة الانسان المؤمن قيمةُ ما فيه من الصنعة العالية، والصبغة الغالية ونقوش جلوات الاسماء . وقيمة الانسان الكافر او الغافل قيمة مادته الفانية الساقطة.. كذلك قيمة هذا العالم تزيد بلا نهاية - ان نظر اليه بالمعنى الحرفي وبحسابه سبحانه - كما علم القرآن. وتسقط قيمته الى درجة المادة المتغيرة الجامدة - ان نظر اليه بالمعنى الاسمى وبحساب الاسباب - كما علَّمَتْه الحكمة الفلسفية.
فالعلم المستفاد من القرآن المتعلق بالكائنات أعلى واغلى بما لا يُحدّ من العلم المستفاد من فنون الفلسفة.
مثلا: يقول القرآن ﴿وَجَعَلَ الشّمْسَ سِراجاً﴾(نوح:16) فانظر كيف يفتح بهذا الحكم لفهمك مشكاةً الى سلسلة جلوات الاسماء، اي ايها الانسان! ان هذه الشمس بعظمتها مسخَّرةٌ لكم، ونور لبيتكم، ونار لإنضاج مطعوماتكم بامر من يرزقكم، فلكم مالك رحيم، عظيم القدر

لايوجد صوت