ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | شعلة | 415
(393-427)

ففي كل مصنوع وجهان: وجه، ينظر الى ذاته وصفاته الذاتية. ووجه، ينظر الى صانعه، والى ما تجلى اليه من اسماء فاطره..
والوجه الثاني؛ اوسع مجالا، واكملُ مالا، اذ كما ان كل حرف من كتاب، يدل على نفسه بمقدار حرف، وبوجهٍ واحد. ويدل على كاتبه بوجوه كثيرة، ويعرّف كاتبه، ويصفه للناظر بمقدار كلمات كثيرة.. كذلك ان كل مصنوع الذي هو حرفٌ من كتاب القُدرة، يدلّ على وجوده ونفسه بمقدار جِرمه، ونفسِه، وبوجهٍ واحد، وهو وجوده الصُوري. لكن يدل على نقاشه الازلي بوجوه متنوعة كثيرة، وينشد من اسمائه المتجلية على ذلك المصنوع، بمقدار قصيدة طويلة.
ثم ان من المقرر ان المعنى الحرفي، لا يُحكَم عليه بالاحكام القصدية، تصديقاً وتكذيباً. ولا يستتبع اللوازم(1)، الاّ بنظر ثانوي. فلهذا لا يتغلغل ذهنُ ناظره في دقائقه، الا اذا نظر قصداً، فحينئذ يصير الحرفُ اسماً. بخلاف المعنى الاسمي(2).
فمن هذا السر ترى كتب الفلاسفة، احكم فيما يعود الى الكائنات في انفسها، مع انها اوهن من بيت العنكبوت فيما يعود اليها، بالنسبة الى صانعها(3). وكلام المتكلمين مثلا، لا ينظر الى المسائل الفلسفية والعلوم الكونية، الاّ بالمعنى الحرفي التبعي و الاستطرادي، وللاستدلال فقط.. حتى انه يكفي لهم ان تكون الشمس سراجاً، والارض مهاداً، والليل لباساً، والنهار معاشا، والقمر نورا، والجبال اوتادا. اي بمشاطيتها للهواء، ومخزنيتها للماء والمعادن، وحمايتها للتراب عن التوحل، وتسكين غضب الارض المتزلزلة بتنفسها فيها ـ ولا يكفي للفلسفي الا ان تكون الشمس مركز عالم منظومتها، وناراً عظيمة بدرجة تتطاير السيارات مع ارضنا حولها كالفراش المبثوث.

------------------

(1) اي لا يكون محكوماً عليه بالاحكام القصدية ولا يستتبع لوازم الحكم.
(2) اي يكون محل حكم تصديقاً وتكذيباً (ت: 216).
(3) ان الاحكام التي تخص الكائنات بذاتها تبدو في كتب الفلاسفة قوية في الظاهر إلاّ ان حقيقتها أوهن من بيت العنكبوت (ت : 216).

لايوجد صوت