الاخلاص، في وظيفة عائدة من كل وجه الى السيد. فلا حق لها في مقاضاة شئ، فما اعطى سيدُها لها، تراه النفس من محض الفضل..
اعلم ! ان سر تساند المؤمنين في عباداتهم، ودعواتهم في جماعاتهم سر عظيم، وامر جسيم، له شأن فخيم ؛ اذ يصير به كلُ فرد كالحجر المجصوص، في البناء المرصوص. يستفيد من اخوانه في الايمان، بالوف الف الف ما يستفيد من عملِ نفسه. (فاذا نظمهم سلكُ الايمان) يصير كلٌ لكلٍ، وللكل شفيعا، وداعيا، ومسترحما، وراجيا، ومادحا، ومزكيا. لاسيما لرئيسهم، ورأسهم(2). فيتلذذ كلُ فرد بسعادات سائر اخوانه كتنعم الام الجائعة، بلذة ولدها. والاخ الشفيق بسعادة شقيقه. حتى يصير هذا الانسان المسكين الفاني مستعداً لعبودية خلاّق الكائنات، وقبول السعادة الابدية.
فانظر الى النبي عليه الصلاة والسلام فاذا تراه، وهو يدعو بـ (يا ارحم الراحمين) !. ترى الامة كلهم يقولون: اللهم صل وسلم على عبدك وحبيبك محمد بحر انوارك، ومعدن اسرارك، وناشر ذكرك وشكرك، ودلال محاسن سلطنة ربوبيتك. فيزكونه عند ربهم. ويحببونه الى مَن ارسله رحمة لهم. ويؤيدون شفاعته. وكذا ينادون بلسان عجزهم المطلق، وفقرهم المطلق، غناءه سبحانه المطلق، في استغنائه الاكمل. وينادون جوده المطلق، في عزته الاجلّ. وينادون بلسان عبوديتهم المطلقة، ربوبيتَه المطلقة. وبهذا التعاون العلوي المعنوي يترقى الانسان، من اسفل سافلي الحقارة والصغر والعجز؛ الى اعلى عليي الخلافة، وحمل الامانة وقابلية المكّرمية بتسخير السموات والارض له.
اعلم ! ان من بَعُدَ عن شئ لا يرى، كما يراه القريب منه. ولو كان البعيد اشد ذكاء واحدّ بصراً. فاذا تعارضا ترجّح القريب مطلقا. فالفلاسفة الاوروبائية المتغلغلون في المادية، تباعدوا بمراتب عديدة،
--------------
(2) المقصود : الرسول الاعظمy (ت: 217).