الجواب: ان العلوم الكونية التي توصل اليها الانسان، هي كالحواس لنوع الانسان وكالجواسيس تكشف له عن مجاهيل لا يصلها بنفسه. فبالاستقراء التام يمكنه ان يتوصل الى كشف ذلك النظام بتلك الحواس والجواسيس. فكل نوع من انواع الكائنات قد خصّ بعلم أو في طريقه الى ذلك، لذا يُظهر كلُ علمٍ ما في نوعه من انتظام ونظام بكلية قواعده، لأن كل علم في الحقيقة عبارة عن دساتير وقواعد كلية. وكلية القواعد تدل على حسن النظام؛ اذ ما لا نظام له لا تجري فيه الكلية. فالانسان مع انه قد لا يحيط بنفسه بالنظام كلّه الا انه يدركه بجواسيس العلوم، فيرى أن الانسان الاكبر - وهو العالم - منظمٌ كالانسان الأصغر سواءً بسواء. فما من شئ الاّ ومبني على اسس حكيمة، فلا عبث، ولا شئ سدىً.
فبرهاننا هذا ليس قاصراً -كما ترى - على اركان الكائنات واعضائها، بل يشمل الخلايا وجميع الكائنات الحية، بل يشمل الذرات جميعاً،فكلها لسان ذاكر يلهج بالتوحيد، والجميع يذكرون معاً: (لا اله الاّ الله) .
البرهان الثالث: هو القرآن الحكيم:
اذا ما الصقت أذنك الى صدر هذا البرهان الناطق ستسمع حتماً انه يردد: (لا اله الاّ هو). فبرهاننا هذا يمثل شجرة عظيمة متشعبة الاغصان والفروع، تتدلى منها ثمرات الحق والحقيقة من كل جانب بغزارة ووفرة وحيوية، بحيث لا تدع لأحد أن يداخله ريب من أن بذرتها الاصيلة - وهي التوحيد - قوية، حقة، حية؛ اذ لايخفى ان البذرة الفاسدة لا تؤتي شجرتها الثمار الغضة كل حين.
أما غصن هذه الشجرة الوارفة الممتد الى عالم الشهادة. فهو يحمل اثمار الاحكام الصائبة الحقة، مثلما أن الغصن العظيم الممتد الى عالم الغيب غني بالثمرات اليانعة الحقة للتوحيد والايمان بالغيب.