فسبحان مَن ظهر في كل شئ لُطفُه.. ويعرِّف الخلائقَ قدرتَه، ويتعرّف متودّداً الى عباده بتزيينات مصنوعاته، جلّ جلالُه ولا اله الاّ هو. [9] ﴿قوله الحقُ وله الملكُ﴾(الانعام:73).. ﴿لا يُسئل عمّا يفعل﴾(الانبياء:23).
اعلم!(1) انه لايُسأل عما يفعلْ. فلا حقّ لشئ ولا لعلمٍ ولحكمةٍ اَن يَسأل عنه؛ اذ يتصرف في مُلكه كيف يشاء وهو عليم حكيم. يعلم ما لا نعلم. فعدم علمنا بحكمةِ شئ لا يدلّ على عدمها. اذ شهود الحكمة في الأكثر المطلق شاهدٌ على وجود حكمة مستورة عنا هنا أيضاً.
مثلاً: نتألّم من موت ذوي الحياة.. ولا نرى حسناً في قِصَر عُمر بعض الحيوانات اللطيفة.. ولانفهم وجه الرحمة في انقراض بعض المصنوعات الحيويّة الطالبة للحياة في أمثال الشتاء.. والحال ان هذا التألم والاعتراض المعنوي انّما ينشأ من جهلنا بحقيقة الحال، اِذ ما من ذي حياة الاّ وهو كَنَفرٍ موظفٍ وعبدٍ مأمورٍ بإيفاء وظائف تكاليف الحياة، الكاتبة تلك الوظائف تسبيحات وتحميداتٍ بحساب خالق الموت والحياة وبإسمه. وحقوق الحياة وغاياتها عائدة اليه سبحانه، يكفي لشهوده آنٌ، بل تكفي النيّةُ الحالية بالقوة، كما في نيّة النواتات والبذور. فما الموت الاّ ترخيص وتحرير واِذنٌ وترويجٌ ودعوةُ حضور، كما قال ﴿ثم الى ربهم يُحشرون﴾(الانعام:38) على ان من كمال رحمته ان لايُبقي ذوي الحياة في أرذل العمر، وأن لا يديمهم في شدائد العمر في الشرائط المزعجة، كترخيص عشاق الأزاهير وسفرائها والمتلذذين بالخضراوات وامرائها من الوظيفة التي صارت كُلفة بعد ما كانت لذة، فاستعملهم صانعُهم واستخدمهم سيّدُهم في مدة شوقهم مع موافقة شرائط الحياة وسهولة حمل تكاليف الحياة. فاذ تعبّس في وجوههم شرائط الحياة بامثال الشيب والشتاء واستيلاء سلطنتها بتحولات الشؤون وانطفاء شوقهم، أمدَّهُم رحمةُ الرحمن بالإذن
--------------
(1) الكلمة السابعة عشرة توضح مسألة وجه الرحمة في الموت والانقراض الذي يعترى الموجودات.