اعلم! ان الله أقرب اِلينا منّا، ونحن بعيدون بلا نهايةٍ ومن شواهد قربه تصرّفه، واذا طلبناه عندما يتصرّف فيه لانجده الاّ عند كلّ شئ، واذا وصلنا بالترقّي الى عند كلّ شئ بالاحاطة بدائرة الامكان، لا نجده أيضاً الاّ خَلفَ الحُجُب النورانية في دائرة الوجوب من سرادقات الاسماء والصفات والشؤونات في العزّة والعظمة والكبرياء، واما اذا طلبناه من جهة قربه بترك نفسنا، فالأمر سهلٌ ان شاء الله لا حول ولا قوة الا بالله.
اعلم(3)....
[36] اعلم!(4) يا مَن يحب ان يعرفَ الفرقَ بين حكمةِ القرآن وحكمةِ الفلسفة! ان مثلهما كمثل قرآن كتبت في حروفاته بتذهيبات متنوعة ونقوش مزينة بعضها بالذهب والفضة وبعضها بالألماس والزمرّد وبعضها بالجواهر والعقيق.. وهكذا. وقرأه شخصان فاستحسَناه فقالا: فلنكتبْ على محاسن هذا الشئ المزيّن كتاباً فكتب كل منهما كتاباً.
امّا أحدهما: فهو أجنبيّ لا يعرف من العربية حرفاً واحداً حتى لا يعرف انّ مشهوده كتاب، لكن له مهارة في الهندسة والتصوير ومعرفة الجواهر وخاصياتها فكتب كتاباً عظيماً يبحث عن نقوش الحروف ومناسباتها وجواهرها وخاصياتها ووضعياتها وتعريفاتها.
واما الآخر: فحينما رآه عرف انه كتاب مبين وقرآن حكيم فلم يشتغل بنقوش حروفه المزيّنة بل اشتغل بما هو أعلى وأغلى وألطف وأشرف وأزين وأحسن بملايين المراتب مما اشتغل به رفيقُه، وهو بيان جواهر معانيه وانوار أسراره فكتب تفسيراً يبحث عن حقائق الآيات.
----------------------
(3) المباحث الموجودة ضمن صفحات المخطوط [31 - 35] منشورة في المثنوي العربي النوري.
(4) راجع ان شئت الكلمة الثانية عشرة (الاساس الأول والثاني والثالث).