السيرة الذاتية | تقديم الأخ الفاضل مصطفى صونطور | 4
(1-13)
ثماني سنوات، فقلت: ما سر إطلاق الأستاذ عليكم اسم (كاتب السر) فأجاب مبتسماً: (لم يهمس الأستاذ في أذني شيئاً خارج ما كتبه في الرسائل). بمعنى أن هذه الرسائل عبّرت عن كل شئ فليس لدينا شئ خارجها.
أورد لذلك مثالاً:
كنا ذات يوم في (بارلا) مع الأستاذ - أنا وجيلان وزبير - في بيت مدير الناحية السابق. قال لى الأستاذ: تعال أنت وجيلان إليّ. دخلنا غرفته وهو منهمك بقراءة الأوراد القدسية للشاه النقشبند، ووقفنا منتظرين أي أمر. فسألنا: أقرأتم رسالة (الآية الكبرى)؟ فأجبنا: نعم قرأناها. فقال: أتعلمون مَن ذلك السائح الذي جال في العصور وفتش في طبقات الكائنات، ومّن ذلك الروح النشط الذي ساح في آفاق العالم؟ قلنا -في أنفسنا- نعم أنتم ذلك السائح الذي جال في آفاق العالم. ثم قال: انصرفوا فخرجنا.
كنت أذكر هذه الخاطرة كذكرى لطيفة من الأستاذ، ولكن عندما قرأت يوماً الفقرة التي هي في بداية المقام الثاني لرسالة (الحجة الزهراء) تبيّن لي أن هناك نماذج كثيرة مثل هذا النموذج. بمعنى أن معظم الذكريات والخواطر التي نوردها موجودة في الرسائل، والفقرة هي:
إن سائح الدنيا في رسالة (الآية الكبرى) الذي سأل جميع الكائنات وأنواع الموجودات في أثناء بحثه عن خالقه ووجدانه له ومعرفته إياه وعرّفه بثلاث وثلاثين طريقاً وببراهين قاطعة بدرجة علم اليقين وعين اليقين، فإن السائح نفسه قد ساح بعقله وقلبه وخياله في أجواء طبقات العصور والأرض والسماوات، دون أن يصيبه تعب أو نصب، بل ما زال يسيح ليشفى غليله حتى ساح في أرجاء الدنيا الواسعة كلها فبحث في جميع نواحيها كمن يسيح في مدينة. مستنداً بعقله أحياناً إلى حكمة القرآن وتارة إلى حكمة الفلسفة كاشفاً بمنظار الخيال أقصى الطبقات إلى أن رأى الحقائق كما هي في الواقع، فأخبر عن قسم منها في تلك الرسالة (الآية الكبرى).

ج

وسأذكر خاطرة أو خاطرتين جديرتين بالذكر..

كنت قد خرجت توا من سجن (صامسون) في بداية سنة 1954، وكان الأستاذ في اميرداغ حيث أتى إليها من اسثارطة أواسط سنة 1935 واستأجر بيتا فأقام في تلك المدرسة النورية الثالثة، فكنا مع الأخوة طاهري وزبير وجيلان وبيرام، في غرفة من البيت، دخل علينا الأستاذ يوما قبيل العشاء وقال: خطر على قلبي أمر سأعلمكم اللغة العربية، وسنبدأ بـ (المثنوي العربي النوري) صباح غد. وفعلا بدأ في اليوم التالي بتدريسنا (المثنوي العربي النوري) كان الدرس يدوم على الأغلب ثلاث ساعات أو أربع ساعات وأحيانا بل نادرا يطول إلى خمس ساعات. كان يقرأ علينا باللغة العربية ويوضح ويشرح المعنى بالتركية. ولا يخفى ما للمثنوي العربي النوري من أهمية حيث يمثل منشأ (رسائل النور) وأصولها، وقد درسنا الأستاذ (المثنوي) مرتين. ودرسنا

لايوجد صوت