لو منحت حرية الفكر والكلام للناس ، ثم حوسب شخص على كلامه او فكره، أفلا يكون ذلك خطة مدبّرة لدفع الأمة المنكوبة إلى النار؟
نرى الجميع يعاهدون المشروطية ويقسمون بها. بينما المعاهد هو نفسه مخالف لمسمّى المشروطية او ساكت عن مخالفيها. ألا يحتاج ذلك إلى كفّارة اليمين؟ ألا تكون الأمة إذن كاذبة؟ أفلا يعتبر إذن الرأى العام النـزيه انه كاذب ومعتوه؟
حاصل الكلام: ان المهيمن على الوضع الحاضر إستبداد شديد وتحكم صارم، وذلك من حيث الجهل المتفشي. وكأن الإستبداد والتجسس قد تناسخا روحاً.(1)
خلاصة لهذه الفترة:
كان سعيد الشاب يتضايق فطرةً من ان يحدد شئ حركته ويقيد أسلوب حياته، ويرغب في ان يبقى حراً طليقاً في أطوار حياته وأسلوب معيشته بعيداً عن ضغوط الأوامر وأغلال القوانيـن. فكان يردد دائماً: إنني لا احدد حريتي بأي قانون اعتباطي.
وقد شوهد منه هذا التوق إلى الحرية في صفحات حياته كلها، فلم يرضخ لقوانين الضلالة الرهيبة والزندقة الواردة من أوروبا. ورفض أي انقياد كان للإستبداد الرهيب الناشئ من الفلسفة الطبيعية وسعى لبيان حقيقة الإسلام المتضمنة للحرية الشرعية الحقة والحضارة المثلى.
وكان الطابع العام لحياة بديع الزمان في استانبول طابعاً سياسياً إلى حد ما، إذ كان يحمل فكرة خدمة الدين عن طريق السياسة، فدفعه عشقه لخدمة الدين إلى هذا الطريق. فناصـر الدعوة إلى الحرية وعارض بشدة جمعية الإتحاد والترقي عندما شاهد من ظلمهم، بل ما كان يتردد ان يصدع في وجوههم قائلاً: لقد اعتديتم على الدين وتعرضتم لغيرة الله وأدرتم ظهوركم للشريعة.. احذروا فان العاقبة وخيمة!.
وبعد إعلان الدستور ناصر جمعية (الإتحاد المحمدي) التي بدأت تتوسع بسرعة في زمن قصير حتى انضم إليها خمسون الفاً من الأعضاء في كل من (ادا بازارى) وازميت بعد نشـر مقالة بديع الزمان.. وفي هذه الفترة تعاقبت مقالاته في الصحف الدينية(2) وخطبه
------------------------
(1) صيقل الإسلام- المحكمة العسكرية / 458 - 459
(2) نقلنا مقالة منها فقط فليراجع من أراد التوسع مجموعة صيقل الإسلام.