العجائب والغرائب.
لذا فان إبعادي ونفيي إلى هناك لا يُعدّ عقاباً لي. ولكن إن كان في قدرتكم وفي استطاعتكم تعذيبي وإيقاع العقاب عليّ فعذّبوني وجداناً، فدونه ليس عذاباً ولا عقاباً بل فخراً وشرفاً.
لقد كانت هذه الحكومة تخاصم العقل ايام الإستبداد. الاّ انها الآن تعادي الحياة بأكملها. فان كانت الحكومة على هذا الشكل والمنطق؛ فليعش الجنون وليعش الموت، ولتعش جهنم مثوىً للظالمين.
لقد كنت آمل ان يهئ لي موضع لأبيّن فيه أفكاري. وها قد أصبحت هذه المحكمة العرفية خير مكان لأبث منها أفكاري.
في الأيام الأولى من التحقيق سألوني مثلما سألوا غيري:
وأنت ايضاً قد طالبت بالشريعة!
قلت: لو كان لي ألف روح، لكنت مستعداً لأن أضحي بها في سبيل حقيقة واحدة من حقائق الشريعة، إذ الشريعة سبب السعادة وهي العدالة المحضة وهي الفضيلة. اقول: الشريعة الحقة لا كما يطالب بها المتمردون..
فها أنا ابدأ بخطابي.
أيها القادة! أيها الضباط!
ان خلاصة جناياتي التي اقتضت سجني هي:
إذا محاسني اللاتي أدلّ بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر؟.
وفي البداية اقول: ان الشريف لا يتنازل لارتكاب جريمة. وإن اُتهم بها لا يخاف من الجزاء والعقاب. فلئن اُعدمتُ ظلماً فاني أغنم ثواب شهيدين معاً. وان لبثت في السجن فهو بلا ريب افضل مكان في ظل هذه الحكومة الظالمة التي ليس فيها من الحرية الاّ لفظها. فالموت مظلوماً هو خير من العيش ظالماً.
واقول كذلك: ان بعضاً ممن جعلوا السياسة أداة للإلحاد، يتهمون الآخرين بالرجعية او باستغلال الدين لاجل السياسة ليستروا على سيئاتهم وجرائمهم. ان عيون السلطة وجواسيسها أشد قساوة من سابقيهم، فكيف يوثق بهم ويعتمد عليهم وكيف نبني العدالة على أقوالهم؟. فضلاً عن ان الإنسان، إذ لا يسلم من تقصير ونقص، بينما تراه يتحرى العدالة يقع في الظلم بالجبن والخب. ولكن جمع تقصيرات متفرقة وقعت في مدة مديدة ومن تصرف أشخاص كثيرين -والتي يمكن تفاديها بما يتخللها من محاسن- وتوهّم صدورها من شخص واحد في وقت واحد يجعل ذلك الشخص مستحقاً لعقاب شديد. بينما هذا الأمر بحد ذاته ظلم عظيم.