فدفع ما ادّخره من مرتّبه إلى مصاريف الطبع ووزع الرسائل مجاناً سوى رسالة أو رسالتين. وعندما سألته: لِمَ لا يبيع مؤلفاته، قال: لا يجوز لي من هذا المرتّب الاّ حدّ الضرورة. والباقي للأمة، فأنا بدوري أعدت المال إلى أهله.))(3)
وقد صرفت كثيراً من مرتّبي الذي كنت قد قبضته وأنا في دار الحكمة الإسلامية وادخرت قليلاً منه لأداء فريضة الحج. وقد كفتني تلك النقود القليلة ببركة القناعة والاقتصاد، فلم يرق مني ماء الوجه. ومازالت بقية من تلك النقود المباركة موجودة.(1) حيث ما قبلت مرتّباً الاّ لمدة سنتين تقريباً عندما كنت عضواً في (دار الحكمة الإسلامية) وهذا ايضاً صرفته لطبع كتبي وتوزيعها مجاناً على الناس، فرددت بضاعتهم إليهم.(2)
(ودار الحكمة الإسلامية تابعة للمشيخة الإسلامية العامة للدولة العثمانية، وكانت لا تضم إلا كبار العلماء الأفاضل، كمحمد عاكف،(3) إسماعيل حقي ازميرلي، حمدي ألماليلي، وامثالهم.)(4)
-------------------------
(3) T. Hayat, ilk hayatı
(1) الشعاعات/495 .وقد فضُل منه 90 ليرة ذهبية دفعها الى ناشري رسائل النور في سنة 1946مشاركاً في مصاريف الورق والطبع بالرونيو. ب1 / 511
(2) الملاحق- اميرداغ 1/ 237و المكتوبات/82 .
يقول ابن أخيه "عبد الرحمن" في رسالة بعث بها الى عَمه عبدالمجيد:
"انني مُحتار من احوال عمّي (سعيد) فقد اطفأ عندي جميع الآمال الدنيوية، فالحكومة تعطيه مرتّباً جيداً، وانا اقوم بادّخار مايفضل عن مصاريفنا، وقد ألف كتباً عدة واستدعاني مرة قائلاً: اذهب واستدع مدير المطبعة الفُلانية. ذَهبت، وعندما قدّم مؤلفاته الى المدير قال لي: يا عبدالرحمن! هات ما ادخرته من نقود، وادفعها للسيد المدير فنفذت له ما اراد، وعندما ذهب المدير أمتلأت عيناي بالدموع، ولكنّي بدأت أعزي نفسي قائلاً:
هذه الكتب ستطبع وستباع، وان النقود سترجع وسأدخرها. ولكن بعد عدة ايام ارسلني مرة أخرى لاستدعاء المدير، في هذه المرة قال للمدير: ارجو ان تكتب على كتبي بانها توزع مجاناً على الامة الإسلامية".
عندما خرج المدير شعرتُ بان الرابطة الروحية التي كنت احسها تجاه عمي الكبير قد تزحزحت، ولم استطع ان أتمالك نفسي عن البكاء. فقلت له: ياعمي! كنتُ ادّخر بعض النقود لكي اقوم بتعمير بيتنا الذي خربته الحرب، والآن فقد قتلت ذلك الامل.. أيجوز ذلك؟ وابتسم عمي قائلاً لي:
- يا ابني.. يا عبدالرحمن! ان الحكومة كانت تعطينا مرتّباً كبيراً وليس لي ان آخذ منه الاّ كفاف النفس، اما مازاد عن ذلك، فيجب اعادته الى بيت المال، لذا فانني قمت باعادته الى المسلمين، ولا اعتقد بانك ستفهم هذا ولكن اعلم بان الله إن شاء فسيعطيك بيتاً في اي مكان كان من هذا الوطن".ش/ 185-187عن مجلة أهل السنة 2 / 41 في 1 / 11 / 1948
(3) شاعر الإسلام في تركيا (1873-1936). رأس تحرير مجلة (الصراط المستقيم) ومجلة (سبيل الرشاد). التحق بحركة الاستقلال. وانتخب نائباً في البرلمان في انقرة. أصبحت احدى قصائده النشيد الوطني التركي. اشتهر بديوانه الشعري "صفحات".
(4) T. Hayat, ilk hayatı ، يروي المؤرخ (اسماعيل حقي) انه استفسر من استاذه شيخ الإسلام مصطفى صبري عن سبب ضم النورسي الى دار الحكمة، أجابه: لانه ضليع بعلم الحديث النبوي، وأبدى آخرون السبب نفسه "Aydinlar Konuşuyor " / 303 لنجم الدين شاهين ار.