السيرة الذاتية | الفصل الرابع | 137
(124-149)

[ولكن لما سئل في زمن احتلال استانبول:]
- لِمَ لم تستطع (دار الحكمة الإسلامية) من القيام بواجبها على الوجه الأتم؟
الجواب: ان عدم قيامها بالخدم - في الوقت الحاضر أفضل خدمة لها، وعدم نشاطها اعظم نشاط لها، لأن قوة الأجانب الحاكمة حالياً تشد الخناق على كل حركة ونأمة ونشاط ليست في صالحها. ولقد شـاهدنا ان من قاموا بنشاط أكرهوا على الدعاء للكفار ودفعوا على إصدار فتوى بجواز قتل المجاهدين، ففي خضم هذه العاصفة الهوجاء لم تُستغل دار الحكمة أداة طيعة، حيث قوة الأجنبي -التي هي المانع القوى لنشاطها- قد مدت الفساد وشجعته بكل قوة.
والسبب الثاني هو أن أعضاء (دار الحكمة) غير قادرين على الامتـزاج فيما بينهم، بل حتى على الاختلاط، فلكل منهم مزايا خاصة به، ولم تتولد بينهم روح الجماعة، إذ(أنا)كل منهم قوي إلى حد لا ينخرق ولا يتمزق كي يتحول إلى(نحن) لذا اضطلعوا في مساعيهم بدستور المشاركة فيما أهملوا دستور التعاون. فالمشاركة في الماديات تعظم النتائج وتجعلها فوق المعتاد، بينما تصغرها بل تجعلها بسـيطة وقبيحة في المعنويات. أما دستور التعاون فهو خلاف هذا تماماً إذ يكون في الماديات وسيلة لنتائج جليلة بالنسبة للشخص، ولنتائج صغيرة جداً بالنسبة للجماعة. بينما في المعنويات تصعد النتائج إلى حيث الأمور الخارقة.
ثم ان انتقاداتهم صارت شديدة عنيفة جداً، لا يقاومها فكر، بل يتشتت أمامها ويضمحل. لأنه احياناً يضيع الحق لدى التنقيب عن (الأحق) فإن كان الاتفاق في الحق اختلافاً في الأحق يكون الحق أحق من الأحق. ففي أثناء تحرى الأحق هناك تسامح لوجود الباطل. أي يكون الحسن احياناً أحسن من الأحسن.(1)
(وقد كانت تيارات بعيدة عن روح الإسلام تحاول التدخل في أمور دار الحكمة الإسلامية ولا سيما الأجنبية منها، فكان بديع الزمان يقف أمام هذه التيارات صلباً كالجبال متصدياً للفتاوى الخاطئة بلا تردد، إذ

---------------------------

(1) طلوعات عثمانية.

لايوجد صوت