السيرة الذاتية | الفصل الثاني | 189
(184-199)

حاجة الأمة الدينية -هذه الأمة التي لم تفسد فطرتها والمحتاجة إلى الدين اكثر من حاجتها لوسائل العيش- والتي لم تَنس حاجتها الروحية تحت كل ضغوط المدنية الحاضرة ولهوها، فإنها تضطر إلى منح معنى الخلافة إلى ما ارتضيتموه -تماماً- من اسم ولفظ. فتمنح له القوة والإسناد ايضاً لإدامة ذلك المعنى. والحال ان مثل هذه القوة التي ليست بيد المجلس ولا تأتي عن طريقه تسبب الانشقاق، وشق عصا الطاعة يناقض أمر القرآن الكريم الذي يقول:
﴿واعتَصموا بِحَبلِ الله جَميعاً ولا تَفرَّقوا﴾(آل عمران:103)
ان هذا العصر عصر الجماعة، إذ الشخصية المعنوية -التي هي روح الجماعة- اثبت وامتن من شخصية الفرد. وهي اكثر استطاعة على تنفيذ الأحكام الشرعية. فشخصية الخليفة تتمكن من القيام بوظائفها استناداً إلى هذه الروح المعنوية. ان الشخصية المعنوية تعكس روح العامة فان كانت مستقيمة فان إشراقها وتألقها يكون أسطع وألمع من شخصية الفرد، أما ان كانت فاسدة فان فسادها يستشري وفق ذلك. فالشر والخير محددان في الفرد، بينما لا يحدهما حدود في الجماعة. فإياكم ان تمحقوا المحاسن التي نلتموها تجاه الخارج بإبدالها شروراً في الداخل.
انتم اعلم بأن أعداءكم الدائمين وخصومكم يحاولون تدمير شعائر الإسلام، مما يستوجب عليكم إحياء هذه الشعائر والمحافظة عليها. وإلاّ فستُعينون -بغير شعورٍ منكم- العدو المتحفز للانقضاض عليكم.
ان التهاون في تطبيق الشعائر الدينية يفضي إلى ضعف الأمة، والضعف يُغرى العدو فيكم ويشجعه عليكم ولا يوقفه عند حدّه.
حسبنا الله ونعم الوكيل.. نعم المولى ونعم النصير.(1)

مع مصطفى كمال:
على الرغم من قراءة البيان إلى النواب الاّ أنه سبّب نقاشاً مع مصطفى كمال.. حيث قال له أمام ما يقرب من ستين نائباً:
- إننا لا شك بحاجة إلى عالم قدير مثلك، فقد دعوناك إلى هنا للاستفادة من آرائك السديدة، فاستجبتم الدعوة، إلا ان أول عمل قمتم به هو كتابة أمور حول الصلاة فبذرتم الخلاف فيما بيننا.
فأجابه أجوبة شافية ثم قال له محتداً مشيراً بإصبعه إليه :
----------------------

(1) المثنوي العربي النوري / 200-204

لايوجد صوت