السيرة الذاتية | الفصل الثالث | 204
(200-215)

فانفتح من ذلك الوضع المحرق، ومن ذلك الخطأ في التصور بابٌ لحقيقة عظيمة، وتهيأت النفسُ لتقبلها - كالحديد الذي يدخل في النار ليلين ويعطى له شكل معين نافع - إذ أصبحت تلك الحالة المحزنة وذلك الوضع المؤلم، ناراً متأججة ألانت النفس. فأظهر القرآن الكريم لها فيض الحقائق الإيمانية بجلاء ووضوح تام من خلال حقيقة تلك الآية المذكورة حتى جعلها تقبل وترضخ.(1)
وهجرتُ السياسة(2)
وقد مرت عليَّ حادثة جديرة بالملاحظة:
رأيت ذات يوم رجلاً عليه سيماء العلم يقدح بعالم فاضل، بانحياز مغرض حتى بلغ به الأمر إلى حد تكفيره، وذلك لخلاف بينهما حول أمور سياسية، بينما رأيته قد أثنى -في الوقت نفسه- على منافق يوافقه في الرأي السياسي!. فأصابتني من هذه الحادثة رعدة شديدة، واستعذت بالله مما آلت إليه السياسة وقلت: (أعوذ بالله من الشيطان والسياسة).
ومنذئذٍ انسحبت من ميدان الحياة السياسية.(1)
سؤال: لِمَ لا تهتم إلى هذا الحد بمجريات السياسية العالمية الحاضرة.. نراك لا تغيّر من طورِكَ اصلاً أمام الحوادث الجارية على صفحات العالم. أفترتاح إليها أم انك تخاف خوفاً يدفعك إلى السكوت؟
الجواب: ان خدمة القرآن الكريم هي التي منعتني بشدة عن عالم

-----------------------

(1) اللمعات/ 379
(2) لاشك أن السياسة بمفهومها الشرعي يزاولها المسلم بمواقفه من الاحداث اليومية؛ بيد أن السياسة التي خَبَرها الأستاذ النورسي وعرف عدم جدواها بل ضررها بالإخلاص والعمل الإسلامي هي السياسة الميكيافيلية الحاضرة والتي وصفها بالوحش الكاسر فاستعاذ بالله منها، وفي الوقت نفسه لم يأل جهداً في نصح الحكام وذوي السلطة، إلا أنه لم يتزلف لهم ولم يسر في ركابهم مثلما أنه لم يواجههم مواجهة مادية يإحداث القلاقل والاضطرابات. ورسائل النور زاخرة بمواقفه هذه من الاحداث عبر حياته الطويلة نقلنا هنا نماذج منها فحسب.
(1) المكتوبات/ 346

لايوجد صوت