السيرة الذاتية | الفصل الثالث | 209
(200-215)

داعي إلى الثرثرة. وان كان التدخل بالقوة، أي بأن اظهر المعارضة بإحداث المشاكل لاجل الوصول إلى هدف مشكوك فيه. فهناك احتمال الولوج في آلاف من الآثام والأوزار، حيث يبتلي الكثيرون بجريرة شخص واحد. فلا يرضى وجداني الولوج في الآثام والقاء الأبرياء فيها بناء على احتمال او احتمالين من بين عشرة احتمالات، لأجل هذا فقد ترك سعيد القديم السياسة ومجالسها الدنيوية وقراءة الجرائد مع تركه السيجارة..(2)
1925م ( 1342 هـ)
اعتقال ونفي:
عندما كنت منشغلا بالقاء دروس في حقائق القرآن على طلابي في مدينة (وان) كانت حوادث (الشيخ سعيد)(1) تقلق بال المسؤولين في

---------------------------

(2) المكتوبات/77-79
(1) يذكر الملا حميد الذي لازم الأستاذ النورسي في "وان" و"جبل أرك" هذا الحوار ذا المغزى العميق الذي جرى بين الأستاذ النورسي وحسين باشا وهو شيخ عشيرة حيدران عيّنه السلطان عبد الحميد الثاني برتبة ميرآلاي إبان انشاء القوات الحميدية في شرقي الاناضول. واحرز انتصارات باهرة على القوات الروسية والارمنية وكبّدهم خسائر فادحة، فرفعته حكومة الإتحاد والترقي والسلطان رشاد الى رتبة امير اللواء، وقد ساعد على انشاء مدارس في شرقي البلاد قبل الحرب العالمية، اشتهر بعدالته وتوقيره العلماء، وعقد مع الأستاذ النورسي عقد أخوة اخروية، وعلى الرغم من عدم تدخله في ثورة الشيخ سعيد پيران نفي مع غيرهم الى قيصري ولكنه لم يتحمل حياة المنفى فهرب الى سورية بعد سنتين وظل فيها سنة حتى جاءه المدعو "مدني" وأقنعه بالعودة الى البلاد مدعياً ان الحكومة اصدرت قراراً بالعفو العام عن المنفيين .ولدى العودة مع إبنيه وفي أثناء ادائهم الصلاة أرداه قتيلاً . رحمهم الله .
يقول الملاحمبد :
"كنا مع الأستاذ في جبل أرك في صومعة خربة.. وذات يوم أتى حسين باشا مع اثنين من مرافقيه لزيارة الأستاذ، وبعد ان ربطوا أفراسهم بالاشجار الموجودة في باب الصومعة الخربة دخلوا على الأستاذ وجثوا أمامه في ادب جمّ وقبلوا يده. كان حسين باشا طويل القامة مهيب الهيئة متقلداً شارات وميداليات خاصة بالباشوات في ذلك الوقت. اخرج منديلاً فيه ما يقدر بنصف كيلو من الذهب ووضعه في موضع في الأرض. فسأله الأستاذ: وما ذلك؟
قال: فداك روحي، انها زكاتي جئت بها اليكم، أخرجتها من خالص اموالي!
الأستاذ: ألم تجد احداً ممن حولك، من اقربائك، من قريتك، حتى اتيت بها الى ههنا؟
حسين باشا: سيدي ان أقاربي ومن حولي كلهم اغنياء، لافقير فيهم، فرأيت أنكم المستحق بها.
الأستاذ: لايجوز نقل الزكاة. فلِمَ اتيت بها وتجاوزت كثيراً من القرى والارياف!
حسين باشا: ياسيدي! ارجو ان تقبل بضع قطع منها في الأقل وانفقها على من معك من الطلاب .
الأستاذ: كلا لا يمكن هذا.. لا حاجة لي الى الزكاة..
وهكذا ردّها ولم يقبلها وبعد قليل خاطبه حسين باشا قائلاً: سيدي لي معكم استشارة في امر خاص، ارجو ان تأذن لطلابك بالخروج. لأني اريد ان اتحدث معكم حديثاً خاصاً.

لايوجد صوت