الدولة. وعلى الرغم من ارتيابهم من كل شخص، لم يمسوني بسوء، ولم يجدوا عليَّ حجة مادمت مستمراً في خدمة القرآن. ولكن ما أن قلت في نفسي: ما لي وللآخرين! وفكرت في نفسي فحسب، وانسحبت إلى جبل (أرك) لأنزوي في مغاراته الخربة، وأنجو بنفسي في الآخرة، إذا بهم يأخذوني من تلك المغارة(1) وينفوني من ولاية شرقية إلى أخرى غربية، إلى بوردور.(2)
(فبينما كان يقضي حياته في تلك المغارة في معتكفه على جبل أرك إذا بالثورة تندلع في الولايات الشرقية، فطلب منه قائد الثورة الشيخ سعيد استغلال نفوذه لإمداد الثورة إلا انه رفض المشاركة وكتب رسالة إليه جاء فيها:
-----------------------
الأستاذ: لايمكن.. فهؤلاء، جزءٌ من كياني، لايفارقوني. اوضح ما عندك.
حسين باشا: سيدي اوجو ان تأذن لنا بالعصيان (مع الشيخ سعيد) فنحن مستعدون.
الأستاذ: لِمَ تقومون بالعصيان؟ إن كان لزيد وعمرو ذنب فما ذنب غيرهما.. بل ستراق دماء المسلمين.
حسين باشا: لقد أهلكنا الروس وقتلونا وأبادوا اموالنا وذرارينا، بينما ظل شرفنا مصاناً دون ان يمسّه أحد بسوء. ولكن الآن اصبح ديننا مهدداً وشرفنا معرضاً للهتك. فأذن لنا بالعصيان، فجنودنا المشاة والفرسان على اهبة الاستعداد.
وبعد ان اوضح حسين باشا الأمر والحوادث المؤلمة، والأستاذ مطرق ومستغرق في التفكير، رفع الأستاذ رأسه وقال بكل لطف ولين: ايها الباشا تعال لنستشر ديوان احمد الجزري ونفتحه متفائلين به. أتقبل ما يقوله الجزري؟
الباشا: نعم!
فاخرج الأستاذ الديوان من جيبه وفتحه متفائلاً به واذا بهذا البيت امامهم:
"هن زي ببف دَيري فه تين، قصدا كنيشتي هن دكن
نه ي زي فانم نه ي زي وانم من دَرَي خمار بس"
ويعني : منهم من يرجع من طريق الكنيسة ويدخل الإسلام ومنهم من يعود الى معبد اليهود فيتهود، اما أنا فلست من هؤلاء ولا من هؤلاء..
قال الأستاذ: أرأيت يا باشا. فأنا الآن لست منكم ولا منهم.
حسين باشا: يا استاذ لقد أوهنت عزيمتي وضعْفت همتي. فلو عدت الى عشيرتي سيقولون، جبن الباشا فتخلى عن العصيان.
قال الأستاذ: نعم وليقولوا: جبن وخاف ولايقولوا أراق الدم.
وعندما استودع الباشا الأستاذ كرّر عليه الأستاذ ثلاث مرات: لاترق الدم ياباشا.. لاترق الدم.. لاترق الدم..
وعاد حسين باشا الى عشيرته وفرّق قواته، لذا لم تحدث اية حادثة في منطقة "وان".( ب1 / 557)
(1) في 10 شباط 1925 أُخذ الأستاذ من جبل أرك. أما ترحيل قافلة المنفيين فكانت في 25 شباط 1925.
(2) اللمعات/ 67