السيرة الذاتية | الفصل الرابع | 234
(216-252)

توجد العقدة الحياتية في البذرة الأصلية لهذه الشجرة، وفي جذرها وفي جذعها، وهي شئ جزئي ومشخص من تجلي الإرادة الإلهية ونواة من الأمر الرباني، وبهذا التجلي الجزئي تتكون مركزية قوانين تشكيل الشجرة، الموجودة في بداية كل غصن وداخل كل ثمرة وجنب كل بذرة، بحيث لا تدع شيئاً ناقصاً لأي جزء من أجزاء الشجرة ولا يمنعها مانع.
ثم ان ذلك التجلي الواحد للإرادة الإلهية والأمر الرباني، لا ينتشر إلى كل مكان، كانتشار الضياء والحرارة والهواء، لأنه لا يترك اثراً في تلك المسافات البعيدة للاماكن التي يذهب إليها، وفي المصنوعات المختلفة، بل لا يُرى له اثر قط. إذ لو كان ذلك بالانتشار لبان الأثر. وانما يكون جنب كل جزء من الأجزاء دون تجزئة ولا انتشار. ولا تنافي تلك الأفعال الكلية أحديته وذاتيته.
لذا يصح ان يقال: ان ذلك التجلي للإرادة وذلك القانون الأمري، وتلك العقدة الحياتية موجودة جنب كل جزء من الأجزاء، ولا تنحصر في أي مكان أصلا..(1)
تأمل بالعربية
بينما كنت متأملاً ومستغرقاً في تفكر يخص الأحدية، نظرت إلى ثمرات شجرة الدلب القريبة من غرفتي، فخطر إلى القلب تفكر متسلسل بعبارات عربية، فكتبتُه كما ورد بالعربية وسأذكر توضيحاً مختصراً له.
فالبذورُ والاثمارُ، والحبوبُ والازهارُ معجزاتُ الحكمة.. خوارقُ الصنعة.. هدايا الرحمة.. براهينُ الوحدة.. شواهدُ لطفِه في دار الآخرة.. شواهدُ صادقة بان خلاّقها على كل شيء قدير وبكل شيء عليم. قد وَسِع كل شيء بالرحمة والعلم والخلق والتدبير والصنع والتصوير. فالشمسُ كالبذرة، والنجمُ كالزهرة، والأرض كالحبة، لا تثقل عليه بالخلق والتدبير، والصنُع والتصوير. فالبذور والأثمار مرايا الوحدة في أقطار الكثرة، اشاراتُ القَدَر، رموزاتُ القُدْرَة بان تلك الكثرة من منبع الوحدة، تصدُرُ شاهدةً لوحدِة الفاطر في الصنع والتصوير. ثم إلى الوحدة تنتهي ذاكرةً لِحكمة الصانعِ في الخلق والتدبير.. وتلويحات الحكمة بأن خالق الكل -بكُلِّية النَظَر إلى الجزئي- ينظُرُ ثَمَّ إلى جزئه، إذ إن كان ثمراً فهو المقصود الأظهرُ مِن خلق هذا الشجر..
فالبشر ثمرٌ لهذه الكائنات، فهو المقصود الأظهر لخالق الموجودات. والقلبُ كالنواة، فهو المرآة الأنور، لصانع المخلوقات من هذه الحكمة.

----------------------

(1) الكلمات/729

لايوجد صوت