ومادام عرف الناس دائراً حول البحث عن مزايا الأثر في أطوار مؤلفه وأحواله الذي يحسبونه منبع ذلك الخير ومحوره الأساس. فانه إجحاف اذاً بحق الحقيقة وظلم لها - بناء على هذا العرف - ان تكون تلك الحقائق العالية والجواهر الغالية بضاعة مَن هو مفلس مثلي وملكاً لشخصيتي التي لا تستطيع ان تظهر واحداً من ألف من تلك المزايا.
لهذا كله أقول: ان الرسائل ليست ملكي ولامني بل هي ملك القرآن. لذا أراني مضطراً إلى بيان أنها قد نالت رشحات من مزايا القرآن العظيم. نعم، لا تُبحث ما في عناقيد العنب اللذيذة من خصائص في سيقانها اليابسة؛ فأنا كتلك الساق اليابسة لتلك الأعناب اللذيذة.(1)
ولو بلغ صوتي أرجاء العالم كافة لكنت أقول بكل ما أوتيت من قوة: ان (الكلمات) جميلة رائعة وإنها حقائق وإنها ليست مني وانما هي شعاعات إلتمعت من حقائق القرآن الكريم. فلم اجمّل انا حقائق القرآن، بل لم أتمكن من إظهار جمالها وانما الحقائق الجميلة للقرآن هي التي جمّلت عباراتي ورفعت من شأنها ..(2)
إثبات الحقائق الإيمانية:
ان اثبات اجزاء (رسائل النور) لجميع الحقائق الإيمانية والقرآنية المهمة، حتى لأعتى المعاندين، اثباتاً ساطعاً، إنما هو إشارة غيبية قوية جداً، وعناية إلهية عظيمة. لأن هناك من الحقائق الإيمانية والقرآنية، اعترف بعجزه عن فهمها من يعدّ أعظم صاحب دهاء، وهو (ابن سينا) الذي قال في مسألة الحشر: (الحشر ليس على مقاييس عقلية) بينما تُعلّم (الكلمة العاشرة) عوام الناس والصبيان حقائق لم يستطع ان يبلغها ذلك الفيلسوف بدهائه.
وكذا مسائل (القدر والجزء الاختياري) التي لم يحلها العلامة الجليل (السعد التفتازاني) إلاّ في خمسين صحيفة، وذلك في كتابه المشهور بـ(التلويح) من قسم (المقدمات الاثنتي عشرة)، ولم يبيّنها إلاّ للخواص من العلماء، هذه المسائل تبينها (الكلمة السادسة والعشرون) (رسالة القدر) في صحيفتين من المبحث الثاني منها بياناً شافياً وافياً، وبما يوافق أفهام الناس كلهم. فان لم يكن هذا من أثر العناية الإلهية فما هو إذن؟.
وكذا سر خلق العالم، المسمى بـ(طلسم الكائنات) الذي جعل العقول في حيرة منه، ولم تحلّ لغزه أية فلسفة كانت، كشف أسراره وحل ألغازه الإعجاز المعنوي للقرآن العظيم، وذلك في (المكتوب الرابع والعشرين) وفي النكتة الرمزية الموجودة في ختام (الكلمة التاسعة والعشرين)، وفي الحِكَم الست لتحوّل الذرات في (الكلمة الثلاثين). هذه الرسائل قد حلت ذلك الطلسم المغلق في الكون، وكشفت عن أسرار ذلك المعمى المحيّر في خلق الكون وعاقبته، وبينت حكمة الذرات وتحولاتها. وهي متداولة لدى الجميع، فليراجعها من شاء.
------------------------
(1) المكتوبات/476
(2) المكتوبات/477