فالجواب: وهو جواب لطيف جميل، إذ لما كان الفضل في هذا التأثير يعود إلى إعجاز القرآن الكريم وليس إلى شخصي أنا، فسأقول الجواب بلا حرج:
نعم! هو كذلك على الأغلب؛ لأن الكلمات:
تصديق وليست تصوراً.(1)
وايمانٌ وليست تسليماً.(2)
وتحقيق وليست تقليداً.(3)
وشهادة وشهود وليست معرفة.(4)
وإذعان وليست التزاماً.(5)
وحقيقة وليست تصوفاً .
وبرهان ضمن الدعوى وليست ادعاءاً
وحكمة هذا السر هي:
ان الأسس الإيمانية كانت رصينة متينة في العصور السابقة، وكان الانقياد تاماً كاملاً، إذ كانت توضيحات العارفين في الأمور الفرعية مقبولة، وبياناتهم كافية حتى لو لم يكن لديهم دليل.
أما في الوقت الحاضر فقد مدّت الضلالة باسم العلم يدها إلى أسس الإيمان وأركانه، فوهب لي الحكيم الرحيم -الذي يهب لكل صاحب داء دواءه المناسب- وانعم عليّ سبحانه شعلةً من (ضرب الأمثال) التي هي من اسطع معجزات القرآن واوضحها، رحمةً منه جلّ وعلا بعجزي وضعفي وفقري واضطراري، لأُنير بها كتاباتي التي تخص خدمة القرآن الكريم. فله الحمد والمنة:
فبمنظار (ضرب الأمثال) قد أُظهرَتْ الحقائق البعيدة جداً انها قريبة جداً.
وبوحدة الموضوع في (ضرب الأمثال) قد جُمِّعَتْ اكثر المسائل تشتتاً وتفرقاً.
وبسلّم (ضرب الأمثال) قد تُوصِل إلى أسمى الحقائق واعلاها بسهولة ويُسر.
----------------------
(1) التصديق: هو ان تنسب باختيارك الصدق الى المخبر. بينما التصور: هو ادراك المعرفة من غير ان يحكم عليها بنفي أو إثبات. وفي المنطق: التصديق هو ادراك النسبة التامة الخبرية على وجه الاذعان. والتصور: ادراك ما عدا ذلك.
(2) مأخوذة من قوله تعالى: ﴿قل لم تؤمنوا ولكن قولوا:أسلمنا﴾(الحجرات:14).
(3) التحقيق: اثبات المسألة بدليلها بينما التقليد: قبول قول الغير بلا حجة ولادليل.
(4) الشهادة: هي اخبار عن عيان. والشهود: هو معرفة الحق بالحق. اما المعرفة: فهي ادراك الشئ على ما هو عليه، وهي مسبوقة بجهل بخلاف العلم.
(5) الإذعان: عزم القلب، والعزم جزم الارادة.