ومن نافذة (ضرب الأمثال) قد حُصّل اليقين الإيماني بحقائق الغيب وأسس الإسلام مما يقرب من الشهود.
فاضطر الخيال إلى الاستسلام وأُرغم الوهم والعقل إلى الرضوخ، بل النفس والهوى. كما اضطر الشيطان إلى إلقاء السلاح.
حاصل الكلام: انه مهما يظهر من قوة التأثير، وبهاء الجمال في أسلوب كتاباتي، فإنها ليست مني، ولا مما مضغه فكري، بل هي من لمعات (ضرب الأمثال) التي تتلألأ في سماء القرآن العظيم، وليس حظي فيه الا الطلب والسؤال منه تعالى، مع شدة الحاجة والفاقة، وليس لي إلاّ التضرع والتوسل إليه سبحانه مع منتهى العجز والضعف.
فالداء مني والدواء من القرآن الكريم.(1)
هل انتهت مهمتي؟
يا أخويّ!
ان ظلمات أنواع الغربة هذه، وان تبددت بنور الإيمان، الاّ انها تركت فيّ شيئاً من بصمات أحكامها، وأوحت بهذه الفكرة:
ما دمت غريباً وأعيش في الغربة وراحلاً إلى الغربة، فهل انتهت مهمتي في هذا المضيف، كي أوكلكم و(الكلمات) عني واقطع حبال العلاقات عن الدنيا قطعاً كلياً؟ وحيث أن هذه الفكرة وردت على البال بهذه الصورة، فكنت أسألكم:
هل (الكلمات) المؤلفة كافية؟ وهل فيها نقص؟ واعني بهذا السؤال: هل انتهت مهمتي كي أنسى الدنيا واُلقي بنفسي في أحضان غربة نورانية لذيذة حقيقية باطمئنان قلب ...(2) [ويجيبه طالبه الأول (خلوصي)(3) بالآتي: ]
مهمة الداعية لا تنتهي:
لقد أصررتم يا أستاذي المحترم في رسالتيكم الأخيرتين على الإجابة عن سؤال قد تفضلتم به سابقاً. فسمعاً وطاعةً. ولكن ازاء هذا السؤال العسير ليس لي الاّ الالتجاء إلى العناية الإلهية والتشبث بالكرم الإلهي
----------------------------
(1) المكتوبات/486-487
(2) المكتوبات/29-32
(3) وهو خلوصي يحيى كيل من السابقين الذين تتلمذوا على الأستاذ النورسي في "بارلا" وكان حينئذ ضابطاً برتبة نقيب،وأصبح طالباً للاستاذفي 14/ 4/ 1929 كان يبعث الى استاذه اسئلته وما يستفسر منه من امور ايمانية. جمعت هذه الاجوبة بتوجيه الأستاذ نفسه وسميّت بـ(مكتوبات). توفي سنة 1986 عن 91 سنة من العمر، رحمه الله رحمة واسعة.