الإيمانية لم تبلغ نهاية المطاف.(1)
السبيل إلى نشر رسائل النور
الاستنساخ اليدوي:
((كان تأليف (رسائل النور) ونشرها شيئاً متميزاً وفريداً في تاريخ الدعوات الإسلامية المعاصرة، ذلك لان الأستاذ سعيد النورسي لم يكن يكتب كثيراً من رسائله بيده لكونه نصف أمي -من حيث قدرته على الكتابة- وانما كان يملي أغلب هذه الرسائل على بعض طلابه في حالات من الجيشان الروحي والوجداني، وبعد ذلك تتداول النسخة الأصلية بين الطلاب الذين يقومون بدورهم باستنساخها باليد، ثم ترجع هذه النسخ جميعها إليه،(2) لكي يقوم بتدقيقها واحدة واحدة، وتصحيح أخطاء الاستنساخ ان وجدت، ولم يكن لديه أية كتب او مصادر يرجع إليها أثناء التأليف سوى القرآن الكريم، وقد ساعده على ذلك ما وهبه الله من ذاكرة خارقة وقدرة عجيبة على الحفظ.
بقيت (رسائل النور) عشرين سنة تنتشر بهذه الطريقة، وبعد ذلك طبعت لأول مرة بـ(الرونيو) ولم يقدّر لها ان تطبع في المطابع الاعتيادية إلاّ سنة 1956م هذا باستثناء رسالة الحشر، التي طُبعتْ منها خفية في استانبول بوساطة أحد طلاب النور.))(3)
كانت الحروف العربية قد بدّلت إلى حروف لاتينية، وحظر الطبع والنشر بها، وأغلقت مطابعها، فكانت هذه الطريقة (طريقة الاستنساخ) باليد سراً هي الطريقة الوحيدة والعملية لنشر مؤلفات رجل منفي ومراقب، قد سدت في وجهه جميع سبل التأليف والنشر، وخاصة وانه كان يريد -بالإصرار على الكتابة بالحروف العربية- المحافظة عليها من الإندثار والنسيان.(1)
------------
(1) الملاحق - بارلا/18-19
(2) يقول عبد الله جاويش (1895 - 1960) وهو من السابقين في هذه الخدمة القرآنية : "كنت اغادر قرية "اسلام" بعد المغيب حاملاً في حقيبتي الرسائل التي استنسخها "الحافظ علي" واسير الليل كله مشياً على الاقدام بين الجبال والوديان حتى اصل مع الفجر الى "بارلا" وارى الأستاذ في انتظاري، ويستقبلني بسرور بالغ. نصلي الفجر معاً. ثم استسلم للنوم.. وهكذا كنت اتسلم في اليوم التالي المسودات من الأستاذ، واغادر "بارلا" ليلاً لاصل "قرية اسلام" فاسلّم المسودات الى الحافظ علي". ذكريات عن سعيد النورسي/33 Son Şahitler 1/310.
(3) T.Hayat, Barla hayatı
(1) يذكر عبدالله جاويش ايضاً: "ذات يوم جئت الى الأستاذ، واذا بالحافظ علي وعدد من الطلاب عنده، بدأ الأستاذ يوزع اجزاء من القرآن الكريم عليهم ليستنسخوه مع تعليمات بكيفية الاستنساخ، وحيث انا امي لا اعرف الكتابة والقراءة، قمت لأهئ الشاي لهم كي اشاركهم في الاجر ولكن ما ان اتيت بالشاي لأوزعه عليهم حتى نهض الأستاذ واخذ الشاي مني وبدأ هو بالتوزيع فخجلت، إذ كيف يوزع الأستاذ الشاي على طلابه! ولكني سكت امام الحاحه الشديد... ثم قال:
- ان استنساخكم اجزاء من القرآن الكريم، وسعيكم في سبيل القرآن مقبول عند الله الذي يراكم في وضعكم هذا، وملائكته الكرام يلتقطون صوركم في اوضاعكم هذه، وانا لكوني خادماً للقرآن الكريم ينبغي ان اقوم بخدمتكم.. فوزع عليهم الشاي وهم منهمكون بالاستنساخ". ذكريات عن سعيد النورسي/33