انه ازاء آلام كلٍ منكم وحسراته، المتجمعة عليّ والتي تمسّ عطفي ورقتي إليكم كثيراً، فضلاً عن آلامي، و وقوع هذه المصيبة في شهر رمضان المبارك الذي كل ساعة منه في حكم مائة ساعة، يجعل كل ساعة من تلك الاثوبة المائة بمثابة عشر ساعات من العبادة، حتى يبلغ الألف ساعة من العبادة.
ثم ان الذين درسوا رسائل النور من أمثالكم المخلصين وفهموها حق الفهم، وأدركوا ان الدنيا فانية عابرة، وأنها ليست الاّ متجراً موقتاً، والذين ضحّوا بكل ما يملكون في سبيل إيمانهم وآخرتهم، واعتقدوا ان المشقات الزائلة التي يعانونها في هذه المدرسة اليوسفية لذائذ دائمة وفوائد خالدة، قد بدّلت -هذه الفوائد- التألم لحالكم والبكاء عليكم النابع من العطف الشديد، إلى حالة تهنئة وتقدير لثباتكم، فقلت بدوري: الحمد لله على كل حال سوى الكفر والضلال.
فأمثال هذه الفوائد التي تخصني، هناك فوائد تخصكم، وتخص اخوتنا، وتخص رسائل النور، وشهرنا المبارك، شهر رمضان، بحيث لو رفع الحجاب، لحملتكم تلك الفوائد على القول: (يارب لك الحمد والشكر، حقاً ان هذا البلاء النازل بنا عناية بحقنا). وأنا مطمئن من هذا ومقتنع به.
لا تعاتبوا -يا اخوتي- الذين اصبحوا السبب في وقوع الحادثة. ان هذه الخطة الرهيبة الواسعة قد حيكت منذ مدة مديدة، الاّ انها جاءت مخففة معنى وستزول بسرعة بإذن الله فلا تتألموا بل استرشدوا بالآية الكريمة:
﴿وَعَسَى أنْ تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ﴾(البقرة:216).(1)
أقل المشاق في سبيل أعظم غاية:
مع تهنئتي لكم بعيدكم السعيد مرة أخرى، اقول: لا تتأسفوا على عدم اللقاء فيما بيننا لقاءً ظاهرياً، فنحن في الحقيقة معاً دائماً. وستدوم هذه المعية في طريق الأبد بإذن الله. وإنني على قناعة من ان الاثوبة الأبدية
-----------------------
(1) الشعاعات/348-350