السيرة الذاتية | السنوات الأخيرة في إسثارطة | 481
(441-494)

الحقيقيين. فنحن نقوم بالعمل الايجابي البناء بكل ما نملك من قوة في سبيل تأمين الأمن الداخلي. فالفرق عظيم بين الجهاد الداخلي والخارجي في الوقت الحاضر.
وهناك مسألة أخرى في غاية الاهمية. وهي ان متطلبات المدنية الدنية (الدنية بالنسبة لأحكام القرآن الكريم) في يومنا هذا قد زيّدت الحاجات الضرورية من الاربعة إلى العشرين. فجعلت الحاجات غير الضرورية بمثابة الحاجات الضرورية بالادمان والاعتياد والتقليد. فتجد من يفضل الدنيا على الاخرة رغم ايمانه بها لإنهماكه بالأمور المعاشية والدنيوية ظناً منه انها ضرورة.
قبل أربعين سنة ارسل الي قائد عام عدداً من الضباط وحتى بعض العلماء الائمة من اجل ان يعيدوني شيئا إلى الأمور الدنيوية. فقالوا: (نحن الآن مضطرون).اي اننا مضطرون في تقليد بعض الاصول الاوروبية وموجبات المدنية حسب القاعدة المعروفة: (ان الضرورات تبيح المحظورات). قلت لهم: انكم منخدعون تماماً؛ لان الضرورة النابعة من سوء الاختيار لاتبيح المحظورات. فلا يجعل الحرام بمثابة الحلال. بينما إن لم تنبع من سوء الاختيار، أي ان لم تأت الضرورة عن طريق الحرام فلا ضير. فمثلاً: اذا سكر شخص بسوء اختياره بشربه الحرام، ثم اقترف جريمة وهو سكران، فان الحكم يجري عليه ولا يكون بريئاً بل يعاقب. ولكن اذا قام طفل مختل العقل بقتل شخص ما -وهو في حالة الاختلال- فهو معذور ولا يعاقب. لانه لم يقترف الجريمة بإرداته. وهكذا قلت للقواد والائمة: أي الأمور تُعد ضرورية مما سوى الاكل والعيش؟. فالاعمال النابعة من سوء الاختيار والميول غير المشروعة لا تكون عذراً لجعل الحرام حلالاً. فاذا ادمن الإنسان نفسه على شئ كمتابعته للافلام في السينما وارتياده المسرح والرقص بكثرة، وهذه الأمورليست ضرورية قطعاً، بل نابعة من سوء الاختيار، لذا لا تكون كافية لجعل الحرام حلالاً. وحتى القانون الإنساني قد اخذ هذه الأمور بنظر الاعتبار، وميز بين الضرورة القاطعة غير الداخلة ضمن اطار الاختيار والاحكام الناشئة من سوء الاختيار. الا ان القانون الالهي قد فرق بينهما بشكل أساس وثابت راسخ ومحكم.

لايوجد صوت