القول اللين:
((عندما كان أحد المسؤولين من ذوي المناصب العالية يأتي لزيارة الأستاذ كان يذكر له أولا محاسنه وفضائله، ويشوقه بهذا الكلام الطيب إلى الإيمان ويحبب إليه خدمة الإيمان. فعندما كنا في (اميرداغ) كان علينا أن نقدم تقريراً طبياً حول حالة الأستاذ الصحية إلى المحكمة في (صامسون). وكان الناس يعتقدون بان طبيب المدينة هو رجل ملحد شيوعي وانه يعادي الأستاذ. ولم نكن نعتقد بأن هذا الطبيب سيكتب التقرير المطلوب للاستاذ، ولكن قبل زيارة الطبيب وحينما أتي الطبيب لزيارته كان الأستاذ متمدداً على فراشه يعاني من مرض شديد ومع هذا جلس مع الطبيب ساعات طويلة وحده. فبقدر ما فهمنا بعد ذلك من هذه الجلسة، أن الأستاذ قد تكلم مع الطبيب عما عاناه من مصاعب ومشاق، وان غايته في الحياة ليست سوى الإيمان. ثم بين له بأنه بحاجة إلى تقرير طبي، ولكنه قال للطبيب: لا اطلب منك أن تزودني بالتقرير باسمك، لأنني أخشى عليك الأذى. بل حوله إلى مدينة (اسكي شهر). ثم أعطاه الأستاذ كتاب (الحجة الزهراء) وأوصاه بالصلاة.. ولما خرج الطبيب من غرفة الأستاذ قال:
يا خسارتنا.. لم نتعرف على هذا العالم من قبل.. فقد أصبحت مديناً لربي بقضاء الفوائت)).(1)
بل خادماً للقرآن:
((كنا جالسين مع الأستاذ ذات يوم، فقال:
- كان بعض الطلاب - في سجن افيون - يبدون شيئاً من الضيق والضجر. وعندما كنت أرى منهم هذا الوضع أتألم واحزن. فقلت يوماً:
- يا رب أليس لي بين هؤلاء طالب؟ (أي: طالب مخلص لا يبدي تذمراً) ولم اكمل الدعاء بعد حتى قام (طاهري موتلو)(2) قائلاً:
- نعم يا أستاذي!
فسررت لهذا الكلام سروراً بالغاً. وكان خير تسلية لي في حينه.
كان الأستاذ يطلق على الأخ طاهري بـ(الرائد). وحقاً لقد كان يتصف بخصال وشمائل قلما تجدها في غيره، فقد كان يصوم الأشهر الثلاثة طوال ثلاثين سنة من عمره، ولم أر منه ان صلى الوتر بعد العشاء وانما كان يقيم الليل ويصلي التهجد ثم يوتر. لقد كان كنز الدعوات لطلاب النور. وكان في طاعة تامة لأوامر الأستاذ ويطبقها بحذافيرها. لذا لم اسمع من الأستاذ ان قال لأحد من طلبة النور مثلما قاله للأخ (طاهري)، حين قال بحقه:
(ان الأخ طاهري ولي من أولياء الله الصالحين، فعليه ان لا يعد نفسه أنه في الدنيا).
وفي أحد الأيام قال الأستاذ له:
- أتريد ان تعدّ نفسك في هذه الدنيا - أي تميل إليها قليلاً - ؟ أم تريد ان تستخدم عاملاً وخادماً للقرآن الكريم؟. فأجاب:
- أستاذي الحبيب أرجوك.. بل خادماً للقرآن.
فقال الأستاذ ملتفتاً إلينا: بارك الله فيه، انه حقاً ولي من الصالحين!
كان الأخ طاهري أكبرنا سناً كما انه أكثرنا عملا في سبيل القرآن. فما كانت تفوته كلمة أثناء قراءته القرآن الكريم او أثناء تصحيحه الرسائل. ولقد ضحى بحياته كلها في سبيل خدمة القرآن. فإخلاصه الكامل في العمل كان يزيدنا نشاطاً وحيوية وشوقاً إلى خدمة الإيمان مهما كانت الظروف... كان رحمه الله مخلصاً لله. كل عمله كان لله. كنا نتخذه اباً معنوياً لنا لشدة شفقته علينا...لم يعرف التعب إليه سبيلاً ولم
-----------------------
(1) ذكريات/44 Son Şahitler 2/172 من عبدالله يگن
(2) ولد في إسپارطة سنة 1900 هو أحد طلاب النور المقربين للاستاذ النورسي، انتقل الى رحمة الله سنة 1977.