السيرة الذاتية | الفصل الأول | 64
(43-71)

پاشا، ولكن لم يجده فجلس ليأخذ قسطاً من الراحة. وما أن دخل مصطفى پاشا الخيمة حتى هبّ الحاضرون قياماً، احتراماً له، سوى الملا سعيد لم يحرك ساكناً. لمح الپاشا ذلك فسأل أحد أمراء العشيرة (فتاح آغا) عن هذا الشاب فأعلمه انه (ملا سعيد المشهور) وحاول الپاشا كظم غيظه، وهو الذي ما كان ينشرح للعلماء، وسأل الملا سعيد:
- لِمَ أتيت إلى هنا؟
- جئت لإرشادك إلى الحق، فإما أن تتخلّ عن الظلم وتقيم الصلاة، او أقتلك!
لم يتحمل الپاشا هذا الكلام فاندفع خارج الخيمة، وتجول قليلاً ثم عاد إليها وكرر السؤال نفسه.
فأجابه الملا سعيد: لقد قلت لك ... جئت من اجل ما ذكرت!
أشار الپاشا إلى السيف المعلق بعماد الخيمة وقال بسخرية:
- أبهذا السيف الصدئ تقتلني!؟
- اليد هي التي تقطع لا السيف!
مرة أخرى ترك الپاشا الخيمة وهو يفور غضباً. ثم دخلها مخاطباً الملا سعيد:
- إن لي جمعاً غفيراً من العلماء في منطقة الجزيرة (جزيرة ابن عمر) و سأعقد مناظرة علمية فيما بينكم. فإن أقمت الحجة عليهم وألزمتهم، انفّذ طلبك وإلاّ فسألقيك في النهر.
قال الملا سعيد:
- كما انه ليس من شأني إلزام جميع العلماء ، فليس باستطاعتك إن تلقيني في النهر. ولكن إن تفوقت عليهم اطلب منك بندقية (ماوزر) لأقتلك بـها ان لم تحافظ على وعدك.
عقب هذه المشادة العنيفة ذهبا معاً على الخيول إلى الجزيرة، ولم يتكلم الپاشا مع ملا سعيد طول الطريق. ولما وصلا إلى أحراش (باني خاني) أخلد الملا سعيد إلى النوم بعد أن أصابه الإرهاق. ولما أفاق وجد علماء الجزيرة ومعهم كتبهم ينتظرون ساعة المناظرة.
انعقد المجلس... وبعد تبادل السلام دارت أقداح الشاى على الحاضرين ولكن العلماء كانوا في شغل شاغل عن الشاي، إذ كانوا يقلبون صفحات الكتب، مأخوذين بشـهرة الملا سعيد ومنتظرين اسئلته، بينما لم يحفل الملا سعيد بالأمر، ولم يكتف بشرب شايه، بل بدأ بارتشاف الشاي الموضوع أمام إثنين أو أكثر ممن حوله من العلماء المشغولين

لايوجد صوت