السيرة الذاتية | الفصل الأول | 66
(43-71)

وبعد ان ظل مدة في الجزيرة توجه مع أحد طلابه (الملا صالح) إلى بيرو وهي منطقة بدو العرب. ومكث فيها مدة حتى طرق سمعه ان مصطفى پاشـا قد عاد إلى عادته القديمة في ظلم الناس. فذهب إليه وأبدى له النصائح مدة ثم هدده قائلاً:
- أوَ بدأت بالظلم مرة أخرى؟ سأقتلك باسم الحق.
ولكن كاتب الپاشا تدخل في الأمر وهدّأ الموقف، بينما الملا سعيد استمر في تعنيفه الپاشا وتوبيخه لكثرة مظالمه، فلم يتحمل الپاشا هذه الإهانات وهمّ بقتله فحال شيوخ عشيرة (ميران) دون ذلك. ثم تقرّب نجل الپاشا (عبد الكريم) من الملا سعيد ورجاه قائلا:
- لا تكترث بصنيع أبي انه لا يسمع كلاماً من أحد.. عقيدته فاسدة.. أرجوك رجاء خالصاً أن تتشـرف إلى مكان آخر.. فمال الملا سعيد إلى كلام عبد الكريم ورجائه، وغادر المكان متوغلاً في صحراء (بيرو) واذا به يصادف الأشقياء المسلحين بالحراب والخناجر، ولما كان الملا سعيد يحمل بندقية أطلق عليهم عدة عيارات نارية، فانصرفوا. واستمر في سيـره الاّ انه بعد مدة رأى نفسه محاصراً بين عدد من قطاع الطرق، وعندما همّوا بقتله لمحه أحدهم وقال:
- إنه شخص مشهور شاهدته في عشيرة (ميران).
وما أن سمعوا هذا الكلام حتى أخلوا سبيله معتذرين منه، بل أرادوا مرافقته لئلا يصيبه أذى في تلك الأماكن الخطرة. فردّ الملا سعيد طلبهم واستمر في طريقه وحده.
وبعد أيام وصل إلى ماردين. فأراد علماؤها الإعتراض على الملا سعيد وإفحامه في المناقشات. ولكنهم لم يوفقوا، بل رضوا به أستاذاً لهم، لما لمسوا منه من قدرة علمية فائقة، رغم انه شاب وفي عمر أبنائهم.
وفي هذه الأثناء إلتقى طالبين؛ أحدهما من طلاب السيد (جمال الدين الأفغاني) والآخر من منتسبي الطريقة السنوسية. فاطلع بوساطتهما على منهج السيد جمال الدين الأفغاني والطريقة السنوسية.))(1)
بداية إهتمامه بالسياسة وأمور العالم الإسلامي:
لقد التقيت شخصاً فاضلاً حوالي مدينة ماردين وذلك قبل الإنقلاب(2) بست عشرة سنة، فأرشدني إلى الحق وبيّن لي المسلك المعتدل القويم في

(1) Tarihce-i Hayat, ilk hayatı
(2) المقصود إعلان المشروطية الثانية 24 تموز 1908م أي كان وصوله الى ماردين سنة 1892 أو 1893م.

لايوجد صوت