بالنظر في الكتب .
وعندها خاطب مصطفى پاشا العلماء وهو يراقب مجرى الأمور:
- على الرغم من أنني لست متعلماً فإنني أرى أنكم ستُغلبون أمام الملا سعيد في مناظرتكم، لأني لاحظت ان إنكبابكم على الكتب ألهاكم عن شرب الشاي، بينما شرب الملا سعيد شايه ثم عدداً من أقداح غيره.
بدأ الملا سعيد بالملاطفة وشئ من المزاح مع العلماء ثم قال:
- أيها السادة! لقد عاهدت ألاّ اسأل أحداً، وها أنا منتظر أسئلتكم.
فاطمأن العلماء! وبدأوا بطرح ما يقارب الأربعين سؤالاً. وأجاب الملا سعيد عن الأسئلة كلها إجابات صائبة، سوى سؤال واحد أخطأ في جوابه، دون أن ينتبه إليه العلماء، حيث صدرت من الجميع علامات التصديق.
وبعد أن انفضّ المجلس، تبعهم الملا سعيد قائلاً:
- أرجو المعذرة.. لقد سهوت في جواب السؤال الفلاني ولم تفطنوا إليه. والجواب الصحيح هو كذا وكذا...
فقالوا: حقاً إنك قد ألزمتنا الحجة، فإننا معترفون بذلك!
ثم باشر قسم من هؤلاء العلماء يجلسون منه مجلس الطالب لينهلوا من فيض علمه. أما مصطفى پاشا فقد وفى بوعده وأهدى إلى الملا سعيد بندقية ماوزر وبدأ بإقامة الصلاة.
خرج مصطفى پاشا معه يوماً إلى سباق الخيل، ودبّر خفية جلب فرس جموح للملا سعيد. فامتطى الفرس وهو الشاب في مقتبل السـادسة عشر من العمر واخذ يوجهها يمنة ويسرة، الاّ ان الفرس اندفعت إلى وجهات مخالفة. ومهما حاول ضبطها لم يفلح، حتى انطلقت إلى موضع أطفال يلعبون ويمرحون، فطرح أحدهم أرضاً -وهو ابن أحد سادات الجزيرة- وصار الطفل تحت أقدام الفرس يضطرب. سارع الناس للنجدة، ولكنهم رأوا أن الطفل لا حراك له فهمّوا حالاً بقتل الملا سعيد وسلّوا خناجرهم، وعندها وضع الملا سعيد يده على مسدسه، وخاطبهم:
- في نظر الحقيقة؛ ان الله سبحانه هو الذي أمات الطفل، أما في ظاهر الأمر فالفرس هي القاتلة. واذا ما نظر إلى الأمر من زاوية السبب، فإن (مصطفى الأقرع) الذي أعطاني الفرس هو الذي قتله… إذن فلننظر اولاً إلى الطفل، إن كان ميتا فلنتعارك. ثم نزل من على الفرس واحتضن الطفل، ولما لم يجد فيه حراكاً غمسه في ماء بارد، وأخرجه حالاً. ففتح الطفل عينه مبتسماً، وظل الناس في حيرة مما حدث.