وأصدقائي غافلون وبسطاء، وأنا اظهر بمظهر الشهرة الكاذبة.
فبعد ثلاث دقائق انسحبت ذاهباً إلى (باقرگوي)(3) كي احول بين معارفي وبين التدخل في الأمر. وأوصيت كل من قابلني بعدم التدخل. فلو كان لي تدخل -بمقدار أنملة- لكنت اظهر في هذا الأمر ظهوراً عظيماً حيث ان ملابسي تعلن عني وشهرتي التي لا أريدها ذائعة بين الجميع. وربما كنت اثبت وجودي بمقاومة جيش الحركة إلى (اياستافانونس).(1) ولو وحدي ثم أموت بشرف ورجولة. وعندئذٍ كان تدخلي في الأمور من البديهيات. فلا تبقى حاجة إلى التحقيق.
وفي اليوم الثاني استفسرت من الجنود المطيعين -الذين هم يمثلون عقدة الحياة لنا- فقالوا ان الضباط قد لبسوا ملابس الجنود، فالطاعة ليست مختلة كثيراً.
ثم كررت السؤال: كم من الضباط أصيبوا؟ فخدعوني قائلين: أربعة فقط، وهؤلاء كانوا من المستبدين. وسوف تنفذ آداب الشريعة وحدودها.
ثم تصفحت الجرائد ورأيت: انهم ايضاً يرون تلك الحركة حركة مشروعة ويصورونها على هذه الصورة، ففرحت من جهة. لأن أقدس غاية لديّ هي تطبيق الأحكام الشرعية تطبيقاً كاملاً. ولكن يئست اشد اليأس وتألمت كثيراً باختلال الطاعة العسكرية. فخاطبت الجنود بلسان جميع الجرائد وقلت:
أيها الجنود! ان كان ضباطكم يظلمون أنفسهم بإثم واحد فإنكم بعصيانكم تظلمون حقوق ثلاثين مليوناً من العثمانيين و ثلاثمائة مليوناً من المسلمين. لان شرف العثمانيين وعامة المسلمين وسعادتهم ولواء وحدتهم قائمة -بجهة- في طاعتكم.
ثم إنكم تطالبون بالشريعة ولكنكم تخالفونها بعصيانكم هذا.
ولقد باركت حركتهم وشجاعتهم لان الصحف التي هي لسان كاذب للرأي العام قد أظهرت لنا أن حركتهم مشروعة. فلقد تمكنت - بتقديرهم هذا - أن اؤثر بنصيحتي فيهم. فهدّأت العصيان إلى حدٍ ما. والاّ لما كان الأمر يكون سهلاً.(2)
ولكن وا أسفى لقد وضع المعجبون بالتطرف في هذه الحادثة سداً أمام
---------------------------
(3) أحد احياء استانبول
(1) منطقة في ضواحي استانبول (يشيل كوي).
(2) صيقل الإسلام - المحكمة العسكرية/ 448