السيرة الذاتية | الفصل الخامس | 282
(253-304)

الاطلاع على الجرائد التي تطرقت إلى وقائع يظن أن لها مساساً مع شخصي وتثير الفضول لدى الناس، ولم اقرأها ولم استقرئها. أيقال لسعيد انه (يجعل الدين أداة للسياسة) والذي يعني أن الدين الحق الذي آمن به وهو الحقيقة السامية المقدسة والإيمان الحقيقي يجعله آلة للسياسة، أي آلة لمقصد دنئ عقيم تضيع فيه حقوق الكثيرين، لمقصد مختلط فيه الإثم الكثير، بماذا؟ بـ(رسائل النور) التي تبينت بعد التدقيقات العميقة التي أجرتها الحكومة، انها متوجهة للآخرة والإيمان وإلى الحقيقة لا غير فيما عدا خمس عشرة مادة فيها.. ألا يفهم من يتفوه بهذا الكلام أنه أبعد من العقل والوجدان؟ فلا ريب أن المحكمة العادلة ستدفع بمثل هذه الأوهام الباطلة والاسنادات الظالمة وتحق الحق في حقنا.
فعلى الرغم من أن الجهل بالقوانين لا يشكل عذراً لدى الأكثرية، فان من كان في قرية نائية، تحت الترصد والمراقبة، وفي بلد غير بلده، عازفاً عن الدنيا، ومقيماً اجبارياً منفياً هناك، وتتوالى عليه الازعاجات باستمرار، لاشك أن جهله بالقوانين يشكل عذراً لدى المنصفين.
فذاك الرجل هو أنا، فلم أكن اعلم أية مادة قانونية التي يؤاخذوني بها بوهم خاطئ. بل لم اكن أستطيع التوقيع بالحروف الجديدة. وقد لا ألتقي احداً طوال عشرة ايام سوى من يعينني في أموري الخاصة، فالجميع يهربون من أن يمدّوا اليّ يد التعاون. علاوة على ذلك لا أتمكن من توكيل محام يدافع عني. وقد اتخذت دستور إنما الحيلة في ترك الحيلة دستوراً طوال حياتي، فمازلت أقول الصدق والحق والحقيقة والصواب في المحاكمات. وبناء على ما ذكر فمن مقتضى العدالة النظر بالتسامح إلى تعابيري التي لا توافق القوانين الحاضرة والأصول الرسمية في دفاعاتي او في عدد من (رسائل النور).
إن النقاط التي ظلت مجملة في دفاعاتي موضّحة في رسالة الإعتراض على لائحة الادعاء، وما جاء في الإعتراض من مواد مجملة موضحة في الدفاعات، فالواحدة تكمل الأخرى.
إن ما تضمنته المادة 163 مع القيود الاحترازية من معنى، وما قصد بها واضع القانون هو: ألاّ يكون مبعثاً للإخلال بالأمن. وحيث أنه ليس هناك إشارة ولا أمارة ولا ترشح يومئ إلى الإخلال بالأمن، لا فيّ ولا في رسائلي، فهذه المادة إذن لا علاقة لها بقضيتنا اطلاقاً وليس هناك جهة تستلزم العقوبة. وقد أثبتنا هذا اثباتاً قاطعاً كما في المضابط الرسمية. لذا لا يليق بجلال العدالة إبراز هذه المادة القانونية ومؤاخذتنا بها بتأثير الأوهام المذكورة في البداية.

لايوجد صوت