تبعاً للظروف، فان اجتهادات فقهاء المذاهب كفيلة بمعالجة التبديل. فكما تبدل الملابس باختلاف المواسم، وتغيّر الادوية حسب حاجة المرضى، كذلك تبدل الشرائع حسب العصور، وتدور الاحكام وفق استعدادات الامم الفطرية، لان الاحكام الشرعية الفرعية تتبع الاحوال البشرية، وتأتي منسجمة معها وتصبح دواء لدائها.
ففي زمن الانبياء السابقين عليهم السلام كانت الطبقات البشرية متباعدة بعضها عن بعض، مع ما فيهم من جفاء وشدة في السجايا، فكانوا اقرب ما يكونون الى البداوة في الافكار، لذا اتت الشرائع في تلك الازمنة متباينة مختلفة، مع موافقتها لأحوالهم وانسجامها على اوضاعهم، حتى لقد اتى انبياء متعددون بشرائع مختلفة في منطقة واحدة وفي عصر واحد.
ولكن بمجىء خاتم النبيين وهو نبي آخر الزمان y ، تكاملت البشرية وكأنها ترقت من مرحلة الدراسة الابتدائية فالثانوية الى مرحلة الدراسة العالية واصبحت اهلاً لان تتلقى درساً واحداً، وتنصت الى معلم واحد، وتعمل بشريعة واحدة. فرغم كثرة الاختلافات لم تعد هناك حاجة الى شرائع عدة ولا ضرورة الى معلمين عديدين.
ولكن لعجز البشرية من ان تصل جميعاً الى مستوى واحد، وعدم تمكنها من السير على نمط واحد في حياتها الاجتماعية فقد تعـددت المـذاهب الفقهــية في الفروع.
فلو تمكنت البشرية - باكثريتها المطلقة - ان تحيا حياة اجتماعية واحدة، واصبحت في مستوى واحد، فحينئذ يمكن أن تتوحد المذاهب.
ولكن مثلما لا تسمح احوال العالم، وطبائع الناس لبلوغ تلك الحالة، فان المذاهب كذلك لا تكون واحدة.
فان قلت: ان الحق واحد، فكيف يمكن ان تكون الاحكام المختلفة للمذاهب الاربعة والاثني عشر حقاً؟
الجواب: يأخذ الماء احكاماً خمسة مختلفة حسب اذواق المرضى